أن الحق ما ثبت أنه من الله كالذي أنت عليه، وما لم يثبت أنه من الله- كالذي عليه أهل الكتاب- فهو الباطل. فإن قلت: إذا جعلت الحق خبر مبتدأ فما محل (مِنْ رَبِّكَ)؟ قلت: يجوز أن يكون خبراً بعد خبر، وأن يكون حالاً. وقرأ علي رضي الله عنه: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) على الإبدال من الأول، أي: يكتمون الحق من ربك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف: "هو كلام محمول على المعنى، كأنه قيل: فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً"، فجعل ملء الأرض ذهباً في معنى الفدية، بدلالة (وَلَوْ افْتَدَى بِهِ)، وجعل الضمير في (بِهِ) راجعاً إلى لفظه لا معناه، ومرجع قوله: "الحق الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم" إلى الحق المطلق أيضاً لقوله تعالى: (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) [النمل: 78]، وقوله: (إِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ* عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يس: 3 - 4]، ومنه الحديث: "ما أنا عليه اليوم وأصحابي"، حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة"، وسألوا: من هي يا رسول الله؟ رواه الترمذي عن ابن عمر. يعني: هذا الذي يكتمونه هو الحق المبين، فالمثال وارد على وجهي العهد، ويقال: يجوز أن يراد ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النعت والوصف الثابت في الكتابين، المعنى: هذا الذي كتموه من النعت والوصف ثابت من الله تعالى في التوراة والإنجيل، والأول أظهر لدلالة قوله: "الحق الذي عليه"، إذ لو أريد الثاني لقال: الذي فيه، يعضده قول المصنف: "يعني أن الحق: ما ثبت أنه من الله، كالذي أنت عليه" إلى آخره والله أعلم.
قوله: (وأن يكون حالاً)، فعلى هذا، المبتدأ المقدر "هذا" ليصح قوله: "الحق من ربك، على الإبدال".