وقوله: (كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) يشهد للأول وينصره الحديث عن عبد الله بن سلام. فإن قلت: لم اختص الأبناء؟ قلت: لأن الذكور أشهر وأعرف وهم لصحبة الآباء ألزم، وبقلوبهم ألصق.
وقال: (فَرِيقاً مِنْهُمْ) استثناء لمن آمن منهم، أو لجهالهم الذين قال الله تعالى فيهم: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ) [البقرة: 78]. (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) يحتمل أن يكون الحق خبر مبتدأ محذوف، أي: هو الحق، أو: مبتدأ خبره (مِنْ رَبِّكَ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتقرير النظم: أنه تعالى لما ذكر أمر القبلة وذكر قول السفهاء من أهل الكتاب وطعنهم فيه مع أنهم يعلمون أن التحويل هو الحق؛ لأنه كان مذكوراً عندهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى القبلتين، جاء بهذه الآية على سبيل الاستطراد بجامع المعرفة الجلية مع الطعن فيه، والدليل على أن الآية مستطردة: قوله تعالى بعد ذلك: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)، ولناصر من ذهب إلى أن الضمير لأمر القبلة أن نظم الآي السابقة والآتية يستدعي اتحاد الضمائر؛ لأن الكلام فيها في أمر القبلة.
قوله: (لأن الذكور أشهر وأعرف)، الراغب: إنما قال (كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) ولم يقل: أنفسهم؛ لأن الإنسان لا يعرف نفسه إلا بعد انقضاء برهة من دهره، ويعرف ولده من حين وجوده، ثم في ذكر الابن ما ليس في ذكر النفس؛ لأن ابن الإنسان عصارة ذاته ونسخة صورته.
قوله: (استثناء لمن آمن منهم أو لجهالهم الذين قال الله تعالى فيهم: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ))، هذا الاستثناء معنوي لا اصطلاحي، وهو بمعنى الإخراج، وقد صرح به صاحب "المطلع" حيث قال: (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ): إخراج لمن آمن منهم أو لجهالهم.