لما يتقدمه من توطين النفس، وان الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم، وأرد لشغبه، وقبل الرمي يراش السهم. (مَا وَلاَّهُمْ): ما صرفهم (عَنْ قِبْلَتِهِمْ)؛ وهي بيت المقدس. (لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ)، أي: بلاد المشرق والمغرب والأرض كلها. (يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) من أهلها (إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو ما توجبه الحكمة والمصلحة من توجيههم تارة إلى بيت المقدس، وأخرى إلى الكعبة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وأن الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم)، الانتصاف: ولهذا أدرج النظار في أثناء مناظرتهم العمل بالمقتضى الذي هو كذا، السالم عن معارضة كذا، فيسلفون ذكر المعارض قبل ذكر الخصم له، وهذه الآية من أحسن ما يستدل به عليه.

قوله: (قبل الرمي يراش السهم) قال الميداني: يضرب في تهيئة الآلة قبل الحاجة إليها.

قوله: (وهو ما توجبه الحكمة): بيان لقوله: (يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) والضمير يعود إلى الهداية التي يدل عليها (يَهْدِي)، وذكر باعتبار الخبر وذلك "ما"، ويدل على كونه بياناً إيقاع "من توجيههم" بياناً لقوله: "ما توجبه"، أي: الهداية على صراط مستقيم، توجههم تارة إلى بيت المقدس، وأخرى إلى الكعبة.

قال القاضي: القبلة في الأصل للحالة التي عليها الإنسان من الاستقبال، فصارت عرفاً للمكان المتوجه نحوه للصلاة، وهذا المكان لا يختص به مكان دون مكان لخاصية ذاتية تمنع إقامة غيره مقامه، وغنما العبرة بارتسام أمره لا بخصوص المكان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015