الأنبياء اليهودية، (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) يعني: أن أوائلكم من بني إسرائيل كانوا مشاهدين له إذ أراد بنيه على التوحيد وملة الإسلام، وقد علمتم ذلك فما لكم تدعون على الأنبياء ما هم منه برآء؟ ! وقرئ: (حضر) بكسر الضاد وهي لغة. (مَا تَعْبُدُونَ): أي شيء تعبدون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيل: وتمام تقريره أن تقول: إذا كان المراد بالهمزة و"أم" حقيقة الاستفهام يدل على ثبوت أحدهما، ويكون السؤال عن التعيين، والمراد هنا ليس حقيقة الاستفهام بل التقرير، أي: ثبوت أحدهما وتقريره من غير معنى استفهام، ويكون إشارة إلى أن أحدهما، وهو كونهم شهداء حاصل، ويلزم منه إنكار ادعاء اليهود؛ لأن شهودهم ينافي ذلك الادعاء، ثم اعلم أن الإنكار هنا بمعنى: لم كان، لا بمعنى: لم يكن.
وقوله: (وقد علمتم ذلك) بعد بيان أن أوائلهم كانوا المشاهدين، إذ أراد بنيه على الإسلام، أي: وقد علمتم ذلك، فكأنكم شاهدتموه إذ ذاك، فما لكم تدعون عليهم ما هم منه براء؟
وقلت وبالله التوفيق: إن هذا الأسلوب من باب التقسيم الحاصر، نحوه قوله تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) [يوسف: 102]، قال المصنف: "هذا تهكم بقريش وبمن كذبه؛ لأنه لم يخف على أحد من المكذبين أنه لم يكن من حملة هذا الحديث وأشباهه، ولا لقي فيها أحداً ولا سمع منه، ولم يكن من علم قومه، فإذا أخبر به وقصه هذا القصص العجيب الذي أعجز حملته ورواته، لم يقع شبهة في أنه ليس منه وأنه من جهة الوحي"، وقوله تعالى: (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنْ الشَّاهِدِينَ) إلى قوله: (وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) [القصص: 44 - 45].