لولا أنهم من أشدّ الناس قتالًا للأعور الدجال لدعوت الله عليهم أن يهلكهم».
فورود الآية على النمط الذي وردت عليه: فيه مالا يخفى على الناظر؛ من بينات إكبار محل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلاله، منها: مجيئها على النظم المسجل على الصائحين به بالسفه والجهل، لما أقدموا عليه، ومنها: لفظ "الحجرات" وإيقاعها كناية عن موضع خلوته. ومقيله مع بعض نسائه، ومنها: المرور على لفظها بالاقتصار على القدر الذي تبين به ما استنكر عليهم، ومنها: التعريف باللام دون الإضافة، ومنها: أن شفع ذمهم باستجفائهم واستركاك عقولهم وقلة ضبطهم لمواضع التمييز في المخاطبات،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لولا أنهم من أشد الناس قتالًا للأعور الدجال): وفي رواية البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهم_ يعني: بني تميم_ أشد أمتي على الدجال".
قوله: (المرور على لفظها): أي: لفظ الحجرات، والأساس: "مررت به وعليه مرًا مرورًا، ومر الأمر واستمر: مضى"، يعني: قال: {الْحُجُرَاتِ} ومضى عليه، يعني: ما زاد عليه، ولم يقل: حجرات نسائك، بل اكتفى بالقدر من الكناية لئلا توحشه، لأنها تكفي لمن يقف على الرمز والإشارة الخفية في أن النداء في هذه الآية أمر منكر.
قوله: (التعريف باللام دون الإضافة): أي: لم يقل: "من وراء حجراتك"؛ لأن المراد المعهود الذهني، يعني: لا يلتبس أن مثل هذا التعظيم لا يكون في حجرات سائر الناس.
قوله: (أن شفع ذمهم باستجفائهم): أي: قرن ذمهم ذلك، وهو قوله: {الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن ورَاءِ الحُجُرَاتِ}، بقوله: {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}، فأوقع قوله: {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} خبرًا لـ"إن" واسمها الموصولة المشتملة على الصلة المشعرة بأن خبرها مما يستهجن منه، ويد من صدر منه النداء من وراء الحجرات بالجافي الغليظ وقلة العقل، وإنما فعل ذلك ليسلي