{لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إلي، {لَا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ} أي: لا خصومة؛ لأنّ الحق قد ظهر وصرتم محجوجين به، فلا حاجة إلى المحاجة. ومعناه: لا إيراد حجة بيننا، لأنّ المتحاجين يورد هذا حجته وهذا حجته، {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا} يوم القيامة، فيفصل بيننا وينتقم لنا منكم، وهذه محاجزة ومتاركة بعد ظهور الحق وقيام الحجة والإلزام.
فإن قلت: كيف حوجزوا وقد فعل بهم بعد ذلك ما فعل؛ من القتل وتخريب البيوت وقطع النخيل والإجلاء؟ قلت: المراد محاجزتهم في مواقف المقاولة، لا المقاتلة.
[{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ} 16]
{يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ} يخاصمون في دينه، {مِنْ بَعْدِ} ما استجاب له الناس ودخلوا في الإسلام، ليردّوهم إلى دين الجاهلية، كقوله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّارًا} [البقرة: 109]، كان اليهود والنصارى يقولون للمؤمنين: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم وأولى بالحق. وقيل: من بعد ما استجاب الله لرسوله ونصره يوم بدر وأظهر دين الإسلام داحِضَةٌ باطلة زائلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (المراد محاجزتهم في مواقف المقاولة، لا المقاتلة): الجوهري: "المحاجزة: الممانعة، وقد تحاجز الفريقان"، يعني: يمكن الجمع بين الدليلين، قال القاضي: "ليس في الآية ما يدل على متاركة الكفار رأسًا، حتى يكون منسوخًا بآية القتال"، وقال محيي السنة: " {لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ}: بمعنى: لا خصومة بيننا وبينكم، نسختها آية القتال، وإذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة لم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة".
?