ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وما في قوله: {ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}: واحد، يعني: أمرت الأمم القديمة والحديثة على اتفاق الكلمة وإقامة دين الله والتوحيد وعد الاختلاف والتفرق، وما تفرق الناس إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم. ثم استطرد بذكر أهل الكتاب واختلافهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وإنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ}، كقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4]، ولذلك غيرت العبارة وجيء بـ"إن" الدالة على التوكيد.

وهذا التفسير موافق لقوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ}؛ لأن المعنى: ولأجل ذلك التفرق، ولما حدث بسببه من تشعب الكفر في الأمم السالفة شعبًا، فادع إلى الاتفاق والائتلاف على الدين الحنيفية القديمة، واستقم عليها.

هذا ما دل عليه تأويل المصنف، لكن الظاهر أن "ذلك" إشارة إلى قوله: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ} وما يتصل به من قوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}، أي: ولأجل ذلك التوصية التي شوركت مع وإبراهيم وموسى وعيسى، ولأجل ذلك الأمر بالإقامة، والنهي عن التفرق، فادع إلى التوحيد وإقامة الدين والثبات عليه، واستقم أنت عليه أيضًا، يدل عليه قوله: {كَمَا أُمِرْتَ}، فالمدعو غليه عام في أهل الكتاب والمشركين وفي المذكورات.

وفي قوله: {آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ} تعريض باليهود وبقولهم: {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [النساء: 150]، وجاء مستطردًا، كما جاءت الآية السابقة مستطردة فيهم، وعليه كلام الواحدي حيث قال: "ذلك: إشارة إلى ما وصي به الأنبياء عليهم السلام من التوحيد"، وقال: " {ولا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} أي: أهل الكتاب".

?

طور بواسطة نورين ميديا © 2015