ليل ساج، وساكن لا ريح فيه - لم يتميز الحقيقة من المجاز. فإن قلت: فهلا قيل: لمفضل، أو: لمتفضل! قلت: لأن الغرض تنكير الفضل، وأن يجعل فضلًا لا يوازنه فضل، وذاك إنما يستوي بالإضافة. فإن قلت: فلو قيل: ولكن أكثرهم، فلا يتكرر ذكر الناس؟ قلت: في هذا التكرير تخصيص لكفران النعمة بهم، وأنهم هم الذين يكفرون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقال القاضي: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} أي: لتستريحوا فيه بأن خلقه باردًا مظلمًا؛ ليؤدي إلى ضعف الحركات وهدوء الحواس.

قوله: (وذاك إنما يستوي بالإضافة)، أي: إذا جعل "فضل" مضافًا إليه يرجع معنى التنكير إليه، أي: فضل، ولو قيل: متفضل لم يكن هذا المعنى.

قوله: (في هذا التكرير تخصيص لكفران النعمة بهم)، قال صاحب "الفرائد": وضع الظاهر موضع المضمر؛ للإيذان بأنهم لا يشكرون لكونهم ناسًا؛ لأن الشر معجون في طينة الناس، وهو الغالب عليهم. قال الراغب في "غرة التنزيل": فإن قيل: لم اختلف أواخر هذه الآي، أعني {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} بعده: {إنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} وبعده: {إنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ}، ثم بعده: {إنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}؟ الجواب: إن من أقر بخلق السماوات والأرض ثم أنكر الإعادة، فالمناسب أن ينبه على ذلك بأن يقال له: إن من قدر على الأكبر فهو أقدر على الأصغر، فلذلك اختص بنفي العلم؛ لأن العلم هو المحتاج إليه والمبعوث عليه، وإن من أنكر البعث فهو محتاج إلى الإيمان به بعد علمه بأن القادر على خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم، وأما قوله: {إنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ} فمعناه: ومن كان الله عليه فضل فهو محتاج إلى أن يؤدي حقه بالشكر وبما يستديمها له ويربطها لديه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015