وكان يقول: ادعني أستجب لك، وقال لنا: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. وعن ابن عباس: وحدوني أغفر لكم. وهذا تفسير للدعاء بالعبادة، ثم للعبادة بالتوحيد. {دَاخِرِينَ}: صاغرين.
[{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ والنَّهَارَ مُبْصِرًا إنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} 61]
{مُبْصِرًا} من الإسناد المجازي؛ لأن الإبصار في الحقيقة لأهل النهار. فإن قلت: لم قرن الليل بالمفعول له، والنهار بالحال؟ وهلا كانا حالين أو مفعولًا لها فيراعى الآخر؛ لأنه لو قيل: لتبصروا فيه: فاتت الفصاحة التي في الإسناد المجازي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وعن ابن عباس)، عطف على قوله: " {ادْعُونِي}: اعبدوني"، يعني: معنى {ادْعُونِي}: وحدوني. ومعنى {أَسْتَجِبْ لَكُمْ}: أغفر لكم. فدل {ادْعُونِي} على: اعبدوني، ودل "اعبدوني " على: وحدوني، فهو كناية تلويحية لوجود لوازم ليتصل إلى المقصود، هذا معنى قوله: "وهذا تفسير للدعاء بالعبادة ثم للعبادة بالتوحيد"، وينصره قوله: {اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ} الآيات.
قوله: (فاتت الفصاحة التي في الإسناد المجازي)، وذلك أن الملابس إذا وصف بصفة الملابس به كان ذلك إيذانًا بكمال ذلك الوصف في الأصل، وأنه سرى منه إليه لكثرة صدوره منه، فإذا قيل: " نهاره صائم" بدل "هو في النهار صائم" أفاد أنه بلغ فيه إلى أن اتصف نهاره بصفته. وكذلك المراد في الآية المبالغة في رصف تهيؤ أسباب المعاش وسهولة تأتيها؛ لأن زمان التعيش هو النهار لنورانيته واستزادة قوة المبصر فيه، فجعل كأنه هو المبصر، ولو قيل: "لتبصروا" لم يعلم ذلك.