فكما أن معنى: لابد أنك تفعل كذا، بمعنى: لا بد لك من فعله، فكذلك {لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} [النحل: 62]، أي: لا قطع لذلك، بمعنى: أنهم أبدًا يستحقون النار لا انقطاع لاستحقاقهم، ولا قطع لبطلان دعوة الأصنام، أي: لا تزال باطلة لا ينقطع ذلك فينقلب حقًا. وروي عن العرب: لا جرم أنه يفعل، بضم الجيم وسكون الراء، بزنة "بد"، وفعل وفعل أخوان، كرشد ورشد، وعدم وعدم. {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} معناه: أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة إلى نفسه قط، أي: من حق المعبود بالحق أن يدعو إلى طاعته، ثم يدعو العباد إليها إظهارًا لدعوة ربهم، وما تدعون إليه وإلى عبادته لا يدعو هو إلى ذلك ولا يدعي الربوبية، ولو كان حيوانًا ناطقًا لضج من دعائكم. وقوله: {فِي الدُّنْيَا ولا فِي الآخِرَةِ} يعني: أنه في الدنيا جماد لا يستطيع شيئًا من دعاء غيره، وفي الآخرة: إذا أنشأه الله حيوانًا، تبرأ من الدعاة إليه ومن عبدته. وقيل: معناه: ليس له استجابة دعوة تنفع في الدنيا ولا في الآخرة. أو: دعوة مستجابة. جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة كلا دعوة. أو سميت الاستجابة باسم الدعوة، كما سمي الفعل المجازى عليه باسم الجزاء في قولهم: كما تدين تدان. قال الله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} [الرعد: 14]. {الْمُسْرِفِينَ} عن قتادة: المشركين. وعن مجاهد:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ثم يدعو العباد إليها)، يعني: دل التنكير في {دَعْوَةٌ}، وهي نكرة في سياق النفي، على نفي الدعوة عن الأصنام بالكلية، وذلك أن من حق المعبود بالحق أن يدعو العباد المكرمين مثل الملائكة والرسل والعلماء الوارث إلى طاعته، ثم أولئك العباد يدعون غيرهم إلى عبادته إظهارًا لدعوة ربهم، وليس كذلك الأصنام.
قوله: (سميت الاستجابة باسم الدعوة)، يعني: أنه من باب المشاكلة، وأصله: إن الذي تدعونني ليس له استجابة، أي: لا يجيب دعوتي، كما في قولك: كما تدين تدان، أي: كما تجازي تجازى، وأصله: كما تفعل تجازى، لكن قيل: كما تجازى؛ لوقوعه في صحبة "تجازى" الثاني.