تقول: هداه إلى الطريق وهداه له. {بِهِ عِلْمٌ} أي: بربوبيته، والمراد بنفي العلم: نفي المعلوم، كأنه قال: وأشرك به ما ليس بإله، وليس بإله كيف يصح أن يعلم إلهًا؟
[{لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا ولا فِي الآخِرَةِ وأَنَّ مَرَدَّنَا إلَى اللَّهِ وأَنَّ المُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} 43 - 44]
{لا جَرَمَ} سياقه على مذهب البصريين: أن يجعل {لَا} ردًا لما دعاه إليه قومه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعطف {مَا لِي أَدْعُوكُمْ} على النداء الثاني الداخل على ما هو بيان لما قبله لا على الأول، فإن ما بعده أيضًا تفسير لما أجمل فيه تصريحًا وتعريضًا.
وقلت: يأبي أن يكون الثاني داخلًا في البيان لما فيه من الغلظة والوعيد إلى حلول الدمار وتصريح المتاركة، وقد مر غيره مرة أن دأب الأنبياء والداعين إلى الله سلوك طريق الملاطفة، وسبيل إرخاء العنان في الدعوة، ثم إذا أيقنوا أن ذلك النوع لا يجدي فيهم أتوا بالتوبيخ والتغليظ، ثم بعده بما يؤذن بالمتاركة والإقناط، وبتحقق الفصل بالهلاك والدمار. كذلك سلك هاهنا، ولهذا قال: "وأما الثالث فداخل على كلام ليس بتلك المثابة"، وبينا مغزاه.
قوله: (والمراد بنفي العلم نفي المعلوم)، أي: هو من باب نفي الشيء بنفي لازمه على سبيل الكناية. وعن بعضهم: نفي العلم عن الخاص-بناءً على الدليل الواضح الشامل للكل- يكون نفيًا للعلم عن الكل.
قوله: (أن يجعل {لَا} ردًا لما دعاه إليه قومه)، قال الزجاج في سورة "هود": قال المفسرون: المعنى: حقًا إنهم في الآخرة هم الأخسرون. وزعم سيبويه أن "جرم" بمعنى "حق"، قال الشاعر: