وحساب، بل ما شئت من الزيادة على الحق والكثرة والسعة.
[{ويَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إلَى النَّجَاةِ وتَدْعُونَنِي إلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وأَنَا أَدْعُوكُمْ إلَى العَزِيزِ الغَفَّارِ} 41 - 42]
فإن قلت: لم كرر نداء قومه؟ ولم جاء بالواو في النداء الثالث دون الثاني؟ قلت: أما تكرير النداء: ففيه زيادة تنبيه لهم وإيقاظ عن سنة الغفلة. وفيه: أنهم قومه وعشيرته، وهم فيما يوبقهم، وهو يعلم وجه خلاصهم، ونصيحتهم عليه واجبة، ، فهو يتحزن لهم ويتلطف بهم، ويستدعي بذلك أن لا يتهموه، فإن سرورهم سروره، وغمهم غمه؛ وينزلوا على تنصيحه لهم، كما كرر إبراهيم -صلى الله عليه- في نصيحة أبيه: {يَا أَبَتِ} [مريم: 42 - 45]. وأما المجيء بالواو العاطفة: فلأن الثاني داخل على كلام هو بيان للمجمل وتفسير له، فأعطى الداخل عليه حكمه في امتناع دخول الواو، وأما الثالث: فداخل على كلام ليس بتلك المثابة: يقال: دعاه إلى كذا ودعاه له، كما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهم فيما يوبقهم)، أي: فيما يهلك أنفسهم، "هم" مبتدأ، و"فيما يوبقهم" خبر.
قوله: (وأما الثالث فداخل على كلام ليس بتلك المثابة)، يعني: قوله: {ويَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إلَى النَّجَاةِ} ليس من جنس الكلام المفسر، وهو {أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} فجيء بالعاطف ليكون عطفًا على قوله: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ}، أتاهم بنوعين من الكلام:
أحدهما: في الترغيب عن الدنيا وتصغير شأنها، والتحريض على الاطلاع على حقيقة الآخرة وتعظيم شأنها، وعلى ما يقربهم إليها من الأعمال الصالحة، وما يبعدهم عنها من الأعمال السيئة ..
وثانيهما: في بيان مجادلة جرت بينهم وبينه، وأنه محق وأنهم مبطلون، وختمها بما ينبئ عن المتاركة بالكلية، وتحقق اعتزاله عنهم وتدميرهم، وهو قوله: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}. وقال القاضي: كرر نداءهم إيقاظًا لهم عن سنة الغفلة، واهتمامًا بالمنادى له، ومبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به نصحه،