إما أن تقول: الملأ الأعلى هؤلاء، وكان التقاول بينهم، فلم يكن التقاول بينهم؛ وإما أن تقول: التقاول كان بين الله وبينهم؛ فقد جعلته من الملإ الأعلى. قلت: كانت مقاولة الله سبحانه بواسطة ملك، وكان المقاول في الحقيقة هو الملك المتوسط، فصح أن التقاول كان بين الملائكة وآدم وإبليس، وهم الملأ الأعلى. والمراد بالاختصام: التقاول، على ما سبق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيه الاختصام غير"، فإن غايته أن ما في الآية مبهم وما في الحديث مؤقت، فيكون الحديث مفسرًا للآية، على أن لابد من التفسير، ولذلك جعل المصنف {إِذْ قَالَ} بدلًا منه.

وعن قوله: "كشف الآية عن اختصام قد مضى، والخبر عن اختصام لم يمض"، فإن {يَخْتَصِمُونَ} في الآية وارد على حكاية الحال الماضية، فيدل على استمرار الخصومة واستحضارها في مشاهدة السامع فيما مضى وقتًا فوقتًا، وفيما سيجيء حالًا فحالًا.

وعن قوله: "السورة مكية، والحديث مدني"، فإن هذا النقل موقوف على بيان الرواية وصحتها على أنه يجوز أن يكون الله سبحانه وتعالى نبهه صلوات الله عليه في مكة على اختصام الملائكة واغتباطهم لبني آدم وما فيهم من الفضائل مجملًا، ثم نبهه ثانيًا في المدينة مفصلًا، والله أعلم بحقيقة الحال.

وأما بيان النظم فإنه تعالى لما أمر نبيه صلوات الله عليه بأن يقول: {هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} أي: هذا الذي أنبأتكم به من كوني رسولًا منذرًا وأن الله واحد لا شريك له وقهار ومالك للعالمين وعزيز غفار، وأدمج فيه معنى العبادة، وأنه تعالى ما خلق الخلق إلا ليعبد ويعرف، وأراد أن يعظم ذلك أمر نبيه صلوات الله عليه بأن يعظمه ثانيًا ويقول: {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلأِ الأَعْلَى} أي: بفضل هذا واختصاصه ببني آدم واختصام الملائكة فيه واغتباطهم للبشر، وما أمروا بالسجود لآدم إلا لتلك الكرامات والفضائل، إلا أن الله تعالى أعلمني بالوحي وأمرني بالدعوة فيه والإنذار لمن امتنع منه، فيكون قوله: {إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} مستطردًا لحديث الخصومة في فضائل البشر؛ لما فيه من التكرمة لآدم من كونه مسجودًا للملائكة، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015