اللام وانتصب بإفضاء الفعل إليه. ويجوز أن يرتفع على معنى: ما يوحى إلى إلا هذا، وهو أن أنذر وأبلغ ولا أفرط في ذلك، أي: ما أومر إلا بهذا الأمر وحده، وليس غير ذلك. وقرئ: (إنما) بالكسر على الحكاية، أي: إلا هذا القول؛ وهو أن أقول لكم: إنما أنا نذير مبين، ولا أدعي شيئًا آخر. وقيل: النبأ العظيم: قصص آدم عليه السلام والإنباء به من غير سماع من أحد. وعن ابن عباس: القرآن. وعن الحسن: يوم القيامة. فإن قلت: بم يتعلق {إذْ يَخْتَصِمُونَ}؟ قلت: بمحذوف؛ لأن المعنى ما كان لي من علم بكلام الملإ الأعلى وقت اختصامهم. و {إِذْ قَالَ} بدل من {إذْ يَخْتَصِمُونَ}. فإن قلت: ما المراد بالملإ الأعلى؟ قلت: أصحاب القصة: الملائكة وآدم وإبليس؛ لأنهم كانوا في السماء، وكان التقاول بينهم. فإن قلت: ما كان التقاول بينهم، إنما كان بين الله تعالى وبينهم؛ لأن الله سبحانه هو الذي قال لهم وقالوا له، فأنت بين أمرين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإنذار إلا لاختصاص من المنذرين وبذا أمرهم، وكان الواجب قلع الشرك وإزالة ما ينبغي إزالته، فإذا أزيل ذلك وبدل بالإيمان والأعمال الصالحة جاز أن يبشروا، كما قال تعالى: {لِيُنْذِرَ بَاسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} [الكهف: 2]، كأنه قال صلوات الله عليه: ما يوحى الآن في شأنكم إلا لأن أنذركم.

قوله: (فأنت بين أمرين)، أي: أمرين ممتنعين؛ لأنك إذا قلت: الملأ الأعلى: الملائكة، والخصومة: هي المقاولة التي جرت بينهم وبين الله في قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30]، إلى آخره، يدل عليه قوله ها هنا: {إنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ} فلا يصح معنى {إذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44]، لأن الاختصام ليس بين الملائكة، بل بينهم وبين الله تعالى، وإن جعلت {اللهُ} من قبيل الملأ الأعلى التغليب فقد أبعدت المرمى.

وأجاب بما يلزم إسناد {يَخْتَصِمُونَ} أن يكون حقيقة ومجازًا معًا، وهو ضعيف كما علم، والأولى أن لا يجعل {إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} بدلًا من {إذْ يَخْتَصِمُونَ}، بل يكون منصوبًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015