{أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا}، والضمير للعذاب أو لصليهم. فإن قلت: ما معنى تقديمهم العذاب لهم؟ قلت: المقدم هو عمل السوء، قال الله تعالى: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [الأنفال: 50 - 51]، ولكن الرؤساء لما كانوا السبب فيه بإغوائهم، وكان العذاب جزاءهم عليه؛ قيل: {أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا}، فجعل الرؤساء هم المقدمين، وجعل الجزاء هو المقدم، فجمع بين مجازين؛ لأن العاملين هم المقدمون في الحقيقة لارؤساؤهم، والعمل هو المقدم لا جزاؤه. فإن قلت: فالذي جعل قوله: {لَا مَرْحَبًا بِهِمْ} من كلام الخزنة ما يصنع بقوله: {بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجوز أن يكون مستأنفًا وأن يكون حالًا، أي: هذا مقولًا له: {لا مَرْحَبًا}، و {مَرْحَبًا} منصوب على المصدر، أو على المفعول، أي: لا تسمعون مرحبًا. وقوله تعالى: {مَّعَكُمْ} يجوز أن يكون حالًا من الضمير في {مُقْتَحِمٌ} أو من {فَوْجٌ}؛ لأنه قد وصف، ولا يجوز أن يكون ظرفًا لفساد المعنى، ولا يجوز أن يكون نعتًا ثانيًا.
قوله: (فجمع بين مجازين)، المجاز الأول في الإسناد: (هم)؛ لأن المقدمين هم الأتباع، فجعل الرؤساء هم المقدمين، ولما كانوا السبب في الإغراء أسند الفعل إليهم. والثاني: العمل هو المقدم، فجعل المقدم الجزاء، وهو من إطلاق اسم المسبب على السبب.
قوله: (فالذي جعل قوله: {لَا مَرْحَبًا بِهِمْ} من كلام الخزنة ما يصنع بقوله: {بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ}؟ ) يعني: قد سبق أن الرؤساءإذا قالوا لأجل الأتباع: {لَا مَرْحَبًا بِهِمْ} دعاء عليهم، صح أن يجيبهم الأتباع بقوله: {بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ} وإذا كان {لَا مَرْحَبًا بِهِمْ} كلامًا للخزنة فكيف يكون هذا جوابًا لهم؟ وأجاب: أن الأتباع إذا سمعوا من الخزنة هذا الدعاء أقبلوا على رؤسائهم قائلين: يا رؤساء السوء أنتم أحق به منا لإغوائكم إيانا.