على أنهم لا يشوبون ذكرى الدار بهم آخر، إنما همهم ذكرى الدار لا غير. ومعنى {ذِكْرَى الدَّارِ}: ذكراهم الآخرة دائبًا، ونسيانهم إليها ذكر الدنيا. أو: تذكيرهم الآخرة وترغيبهم فيها، وتزهيدهم في الدنيا، كما هو شأن الأنبياء وديدنهم. وقيل: {ذِكْرَى الدَّارِ}: الثناء الجميل في الدنيا ولسان الصدق الذي ليس لغيرهم. فإن قلت: ما معنى {أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ}؟ قلت: معناه: أخلصناهم بسبب هذه الخصلة، وبأنهم من أهلها. أو: أخلصناهم بتوفيقهم لها، واللطف بهم في اختيارها. وتعضد الأول قراءة من قرأ: (بخالصتهم). {المُصْطَفَيْنَ}: المختارين من بين أبناء جنسهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ونسيانهم إليها)، ضمن النسيان معنى: الضم، يعني: معنى {بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} ذكراهم الآخرة منضمًا إليها نسيان ذكر الدنيا، أي: هم مستغرقون في ذكر الآخرة مشتغلون بها عن ذكر الدنيا.
قوله: (وقيل: {ذِكْرَى الدَّارِ} الثناء الجميل في الدنيا)، قال أبو البقاء: إضافة "الذكرى" إلى" الدار" في المعنى ظرف، أي: ذكرهم في الدار الدنيا، وهو: إما مفعول به على السعة نحو: "يا سارق الليلة"، أو على حذف حرف الجر نحو: "ذهبت الشام".
وقال الجوهري: الذكر والذكرى نقيض النسيان، وذكرت الشيء بعد النسيان وذكرته بلساني وبقلبي، والذكر: الصيت والثناء.
فقول المصنف: "ومعنى: {ذِكْرَى الدَّارِ} ذكراهم الآخرة دائبًا" مبني على أن الذكرى نقيض النسيان، لقوله: "ونسيانهم إليها ذكرى الدنيا". وقوله: "أو تذكيرهم الآخرة" على أنها من الذكر اللساني، لقوله: "هو شأن الأنبياء وديدنهم". وقوله: " الثناء الجميل في الدنيا" على أن"الذكرى": الصيت والثناء.
قوله: (وتعضد الأول)، أي: على تكون التاء للسببية، والمعنى: أنهم من أهلها، أي: هذه الخصلة لهم وحقهم، وتضاف إليهم كما أضيفت في هذه القراءة لا أن تكون