بالغة حد الإعجاز؛ ليكون ذلك دليلًا على نبوته قاهرًا للمبعوث إليهم، وأن يكون معجزةً حتى يخرق العادات، فذلك معنى قوله: {لاَّ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي}. وقيل: كان ملكًا عظيمًا، فخاف أن يعطى مثله أحد فلا يحافظ على حدود الله فيه، كما قالت الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} [البقرة: 30]. وقيل: ملكًا لا أسلبه ولا يقوم غيري فيه مقامي، كما سلبته مرة وأقيم مقامي غيري. ويجوز أن يقال: علم الله فيما اختصه به من ذلك الملك العظيم مصالح في الدين، وعلم أنه لا يضطلع بأعبائه غيره، وأوجبت الحكمة استيهابه، فأمره أن يستوهبه إياه، فاستوهبه بأمر من الله على الصفة التي علم الله أنه لا يضبطه عليها إلا هو وحده دون سائر عباده. أو أراد أن يقول: ملكًا عظيمًا، فقال: {لاَّ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي}، ولم يقصد بذلك إلا عظم الملك وسعته، كما تقول: لفلان ما ليس لأحد من الفضل والمال، وربما كان للناس أمثال ذلك، ولكنك تريد تعظيم ما عنده. وعن الحجاج: أنه قيل له: إنك حسود، فقال: أحسد مني من قال: {هَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي}. وهذا من جرأته على الله وشيطنته، كما حكي عنه: طاعتنا أوجب من طاعة الله؛ لأنه شرط في طاعته فقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وأطلق طاعتنا فقال: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].

[{فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * والشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وغَوَّاصٍ * وآخَرِينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وأطلق طاعتنا فقال: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وروي عن المصنف: نسي الحجاج شرطًا آخر، وهو أن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] فشرط أن يكون من المؤمنين، وه لم يكن من المؤمنين، يريد أن"من" في {مِنْكُمْ} للاتصال، كقوله: "من غشنا فليس منا". وقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، كالطوق في عنقه؛ لأنه قيد للمطلق، أي: فإن اختلفتم أنتم وأولو الأمر منكم في شيء من أمور الدين فارجعوا إلى الكتاب والسنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015