كما وضعوا {هَنِيئًا} [النساء: 4] موضع المصدر، وهو صفة، أي: ما خلقناهما وما بينهما للعبث واللعب، ولكن للحق المبين؛ وهو أن خلقنا نفوسًا أودعناها العقل والتمييز، ومنحناها التمكين، وأزحنا عللها ثم عرضناها للمنافع العظيمة بالتكليف، وأعددنا لها عاقبةً وجزاءً على حسب أعمالهم. و {ذّلِكَ} إشارة إلى خلقها باطلًا. والظن: بمعنى المظنون، أي: خلقها للعبث لا للحكمة هو مظنون الذين كفروا. فإن قلت: إذا كانوا مقرين بأن الله خالق السماوات والأرض وما بينهما بدليل قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] فبم جعلوا ظانين أنه خلقها للعبث لا للحكمة؟ قلت: لما كان إنكارهم للعبث والحساب والثواب والعقاب، مؤديًا إلى أن خلقها عبث وباطل، وجعلوا كأنهم يظنون ذلك، ويقولونه؛ لأن الجزاء هو الذي سيقت إليه الحكمة في خلق العالم من رأسها، فمن جحده فقد جحد الحكمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (كما وضعوا {هَنِيئًا} موضع المصدر وهو: صفة) لقوله تعالى: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]، وهما صفتان أقيمتا مقام المصدر.

قوله: (أن خلقنا نفوسًا)، إلى قوله: (ثم عرضناها للمنافع العظيمة) إلى آخره. قال الإمام: الآية تدل على صحة القول بالحشر والنشر؛ لأنه تعالى خلق الخلق إما للإضرار، أو للانتفاع، أو لا لهذا ولا لهذا، والأول: لا يليق بالرحيم الكريم، والثالث أيضًا: باطل؛ للعبث، فلم يبق إلا الثاني، فالانتفاع إما دنيوي أو أخروي، والأول باطل، والدليل المشاهدة {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} [العنكبوت: 64]، ولما بطل هذا ثبت القول بوجود حياة أخروية، فكل من أنكر الحشر والنشر كان شاكًا في حكم الله في خلق السماوات والأرض، وهو المراد من قوله: {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: 27]، والدليل عليه قوله: {أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28]، فإنها كالتفصيل لذلك المجمل، وإلى هذا المعنى ينظر قول المصنف: لأنه الجزاء هو الذي سبقت إليه الحكمة في خلق العالم من رأسها، فمن جحده فقد جحد الحكمة من أصلها، إلى آخره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015