فقد يلد البر الفاجر، والفاجر البر. وهذا يهدم أمر الطبائع والعناصر، وعلى أن الظلم في أعقابهما لم يعد عليهما بعيب ولا نقيصة، وأن المرء إنما يعاب بسوء فعله ويعاتب على ما اجترحت يداه، لا على ما وجد من أصله أو فرعه.
[{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} 114 - 122].
{مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} من الغرق، أو من سلطان فرعون وقومه وغشمهم، َ {وَنَصَرْنَاهُمْ} الضمير لهما ولقومهما في قوله: {وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا}. {الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ} البليغ في بيانه؛ وهو التوراة، كما قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 44].
وقال من جوز أن تكون التوراة عربية أن تشتق من وري الزند "فوعلة" منه، على أن التاء مبدلة من واو.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقال من جوز أن تكون التوراة عربية) عن بعضهم: إن "قال" عطف على "قال" في "كما قال"، و"أن" في "أن تشتق" مصدرية وهي مع "ما" في صلتها بمعنى المفعول أي مشتقة والتقدير: وكما قال من جوز هذا: إن فيها معنى الإنارة والضوء مشتق من الورى.
فإن قلت: فما وجه التشبيه بالآيتين؟ وكيف استشهد بهما على الاشتقاق؟ قلت: وجه التشبيع إثبات المبالغة في البيان، فكما أن استعمال سين الطلب فيما لا طلب له تدل على المبالغة كذلك استعارة النور- لما في الكتاب من البيانات الشافية الكافية- تدل على المبالغة، فإن قولك: "رأيت أسدًا يرمي" ابلغ من قولك: "رأيت شجاعا يرمي".
وأما وجه الاشتقال؛ فإن مراعاة تسمية الكتاب بالتوراة وإنما كانت لأنها اشتملت على