مع علمه بأنه سيكون نبيًا. {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} وقرئ: (وبركنا) أي: أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا، كقوله: {وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: 27]، وقيل: باركنا على إبراهيم في أولاده، وعلى إسحاق بأن أخرجنا أنبياء بني إسرائيل من صلبه.
وقوله: {وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} نظيره: {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124]، وفيه تنبيه على أن الخبيث والطيب لا يجري أمرهما على العرق والعنصر؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كقولك: خطت الثوب قميصًا، فلا يخفى على أحد أنه عند هذه البشارة لم يكن نبيًا، فالعلم بتقديرها ظاهر لم يحتج إلى التصريح، ولو بشره الله بنبوة إسحاق بعدما امتحنه بذبحه- كما قال قتادة- لكان الظاهر أن يقال: وبشرناه بنبوة إسحاق بل بنبوته؛ لما سبق ذكره وذكر البشارة به.
ومما يدل على استقلال القصة تذييل القصة السابقة بما ذيلت به سائر القصص المذكورة من مثل قوله: {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} فإذا صح ذلك فلا يجوز أن يؤمر بالذبح امتحانًا وهو عالم بأنه يصير نبيًا؛ لأن الامتحان إنما يصح إذا أيقن الذابح أنه سيذبح ولا يتأخر أجله.
قوله {وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} نظيره: {قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124]، يعني: نظيره في أن ذريته عليه السلام لا يجب أن يكونوا محسنين كلهم. قال الإمام: دخل تحت قوله: "محسن" الأنبياء والمؤمنون، وتحت قوله: "الظالم" الفاسق والكافر. وفيه تنبيه على أنه لا يلزم من كثرة فضائل الأب فضيلة الابن؛ لئلا تصير هذه الشبهة سببا لمفاخرة اليهود. وقال التهامي:
لا تحسبن حسب الآباء مكرمة .... لمن يقصر عن غايات مجدهم
حسن الرجال بحسنى لا بحسنهم .... وطولهم في المعالي لا بطولهم