للقول، فقد تبين أن تعلق الحزن بكون الله عالمًا وعدم تعلقه لا يدوران على كسر "إن" وفتحها، وإنما يدوران على تقديرك، تتفضل إن فتحت بأن تقدر معنى التعليل ولا تقدر البدل، كما أنك تتفضل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدر معنى المفعولية، ثم إن قدرته كاسرًا أو فاتحًا على ما عظم فيه الخطب ذلك القائل، فما فيه إلا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن على كون الله عالمًا بسرهم وعلانيتهم، وليس النهي عن ذلك ما يوجب شيئًا، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} [القصص: 68]، {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [القصص: 87]، {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ} [الشعراء: 213].
[{أَوَ لَمْ يَرَ الإنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وضَرَبَ لَنَا مَثَلًا ونَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي العِظَامَ وهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وهُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ * إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 77 - 83]
قبح الله عز وجل إنكارهم البعث تقبيحًا لا ترى أعجب منه وأبلغ، ودل على تمادي كفر الإنسان وإفراطه في جحود النعم وعقوق الأيادي، وتوغله في الخسة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قبح الله عز وجل إنكارهم البعث تقبيحًا)، قال القاضي: هذه تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر. يريد أن قوله: {أَوَ لَمْ يَرَ الإنسَانُ} معطوف على قوله: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم} وأسلوبها أسلوبها في التعكيس، يعني: أنا كما تولينا إحداث النعم ليكون ذريعة إلى أن يشكروها فجعلوها وسيلة إلى الكفران، كذلك خلقناهم من أخس الأشياء وأمهنها، ليخضعوا ويتذللوا، فإذا هو خصيم مبين.