وإنا مجازوهم عليه، فحق مثلك أن يتسلى بهذا الوعيد ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة؛ حتى ينقشع عنه الهم ولا يرهقه الحزن. فإن قلت: ما تقول فيمن يقول: إن قرأ قارئ: (أنا نعلم) بالفتح: انتقضت صلاته، وإن اعتقد بما يعطيه من المعنى: كفر؟ قلت: فيه وجهان؛ أحدهما: أن يكون على حذف لام التعليل، وهو كثير في القرآن والشعر، وفي كل كلام وقياس مطرد، وهذا معناه ومعنى الكسر سواء، وعليه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الحمد والنعمة لك"، كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي، وكلاهما تعليل. والثاني: أن يكون بدلًا من {قَوْلُهُمْ}، كأنه قيل: فلا يحزنك، إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون. وهذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ينقشع عنه الهم ولا يرهقه الحزن)، الجملتان مقررتان على النفي والإثبات طردًا وعكسًا.

قوله: (وعليه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم)، عن البخاري ومسلم ومالك وغيرهم، عن ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدًا يقول: " [لبيك] اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" لا يزيد على هذه الكلمات.

النهاية: التلبيد: هو أن يسرح الشعر ويجعل فيه شيء من صمغ ليلتزق ولا يتشعث في الإحرام.

قوله: (مع المكسورة) يعني: هذا المحذور أيضًا قائم مع المكسورة على تقدير المقول، فعليك أن لا تقدر البدل فاتحًا، ولا تقدر مقول القول كاسرًا لأنه على التقديرين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن على كون الله عالمًا بسرهم وعلانيتهم، بل يقدر على الفتح، والكسر للتعليل، وهو المراد بقوله: وإنما يدوران على تقديرك: فينفصل إلى آخره على أن ذلك جائز على سبيل التعريض كقوله تعالى: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يونس: 105].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015