من قولهم في الأمرين: ليس فيهما خيرةٌ لمختارٍ. فإن قلت: فأين الراجع من الصلة إلى الموصول إذا جعلت ما موصولة؟ قلت: أصل الكلام: ما كان لهم فيه الخيرة، فحذف «فيه» كما حذف منه في قوله: (إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان: 17] لأنه مفهومٌ. (سُبْحانَ الله) أى: الله بريءٌ من إشراكهم, وما يحملهم عليه من الجرأة على الله, واختيارهم عليه ما لا يختار.

[(وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ *وَهُوَ الله لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) 69 - 70]

(ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) من عداوة رسول الله وحسده (وَما يُعْلِنُونَ) من مطاعنهم فيه, وقولهم: هلا اختير عليه غيره في النبوّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مُستطرَدةٌ بينهما للذكرِ الإحضار، وقولُه: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} كالتذييل، وبيانْ أنهُ هوَ الذي يخلُقُ ما يشاء؛ يُضلُّ مَنْ يشاءُ ويهدي مَنْ يشاء، ليسَ لأحدٍ أنْ يتصرّفَ في ملكِهِ ويشاركَهُ في خَلقِه. ولهذا ختمَهُ بقولِه {سُبْحَانَ اللهِ وتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ويدخُلُ في هذا العامِّ حديثُ سببِ النزولِ أيضًا.

قولُه: (مِنْ قولِهم في الأمرَيْن: ليسَ فيهما خيرةٌ لمختار)، يعني: إذا جعلَ {مَا} موصولةً والمراد المتخير؛ فلابدّ مِنْ وجودِ شيئيْن ليُختارَ أحدُهُما مِنَ الآخر. والمثالُ يحتَمِلُ وجهَيْن: أحدُهُما أنّ الأمرَيْنِ مختارانِ فليسَ لأحدٍ أنْ يترُكَ أحدَهُما ويختارَ الآخر، وأنهما سِيّانِ في الكراهة؛ فليسَ فيهما مختارٌ يختارُهُ المختار.

قولُه: (واختيارهم عليه)، قيل: هوَ عطفٌ على ((ما)) في ((وما يحمِلُهُم))، أو على الضميرِ المجرورِ في ((عليه))؛ أي: الله بريءٌ مِما يحمِلُهُم على إشراكِهِم وعلى اختيارِهم على الله ما لا يختار؛ نحو: {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1]. وقلتُ: ويجوزُ أنْ يكونَ عطفًا على ((الجرأةِ على الله)) على سبيلِ التفسير؛ لأنّ اختيارَهُم على الله ما لا يختارُ جُرْأةٌ على الله مِنْ قولِهم: {لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015