(ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) بيان لقوله: (وَيَخْتار)؛ لأنّ معناه: ويختار ما يشاء، ولهذا لم يدخل العاطف. والمعنى: أنّ الخيرة لله تعالى في أفعاله، وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها، ليس لأحدٍ من خلقه أن يختار عليه. قيل: السبب فيه قول الوليد بن المغيرة: (لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف: 31] يعنى: لا يبعث الله الرسل باختيار المرسل إليهم. وقيل: معناه: ويختار الذي لهم فيه الخيرة، أى: يختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح، وهو أعلم بمصالحهم من أنفسهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (وقيل: معناه: ويختارُ الذي لهم فيهِ الخيرة)، عطفٌ على قولِه: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} بيانٌ لقولِه: {وَيَخْتَارُ}. و {مَا} على الأوّلِ نافية؛ لا ينبغي لأحدٍ مِنْ خلقِهِ أنْ يختارَ عليه؛ فيكون تفسيرًا لقولِه: {وَيَخْتَارُ}؛ لأنّ معناه: يختارُ ما يشاء؛ لعطفِهِ على {يَخْلُقُ}. قالَ مكيُّ بنُ أبي طالب: و {مَا} على أنْ تكونَ موصولةً ليسَ بمختار؛ لأنهُ لا عائدَ يعودُ على {مَا}، وهوَ أيضًا بعيدٌ في المعنى والاعتقاد؛ لأنّ كونَها للنفيِ يُوجِبُ أنْ يَعُمّ جميعَ الأشياء، وأنها حدَثتْ بقدرةِ الله واختيارِه، وليسَ للعبدِ فيها شيءٌ غيرُ اكتسابِهِ بقَدَرٍ مِنَ الله. وكونُها موصولةً لمْ يَعُمّ جميعَ الأشياء؛ فإنها مختارةٌ لله تعالى؛ بل إنهُ تعالى يختارُ ما لهمْ فيهِ الخيرةُ وما ليسَ لهمْ فيهِ لهمْ فيهِ خيرةٌ موقوفة، وهوَ مذهبُ القَدَريةِ والمعتزلة.
وقيل: معنى الآية: وربُّكَ يا محمد يخلقُ ما يشاءُ ويختارُ لولايتِهِ ورسالتِهِ مَنْ يريد. ثُمّ ابتدأَ بنفيِ الاختيارِ عنِ المشركين، وأنهُ لا قُدرةَ لهم؛ فقال: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} أي: ليسَ الولايةُ والرسالةُ وغيرُ باختيارِهِمْ ولا بمُرادِهِم.
وقالَ القاضي: فظاهرُهُ نفيُ الاختيارُ عنهمْ رأسًا، والأمرُ كذلكَ عند التحقيق؛ فإنّ اختارَ العبادِ مخلوقٌ باختيارِ الله، منوطٌ بدواعٍ لا اختارَ لَهُمْ فيها.
وقلتُ: والذي يقتَضِيهِ النظمُ هذا؛ لأنّ قولَهُ تعالى: {فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} مُتّصلٌ بقولِه: {كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الحَيَوةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ المُحْضَرِينَ}، وأحوالُ الشركاءِ