أو أرادُوا: نوعانِ من السِّحرِ. {بِكُلٍّ} بكُلِّ واحدٍ منهُما. فإن قلت: بم علَّقْتَ قولَه: {مِن قَبْلُ} في هذا التَّفسيرِ؟ قلت: بـ {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا}، ولي أنْ أُعلِّقَه بـ {أُوتِيَ}، فينقلبُ المعنى إلى أنَّ أهلَ مكَّةَ الذينَ قالُوا هذه المقالةَ كما كَفَرُوا بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وبالقُرآنِ؛ فقد كفرُوا بمُوسى عليه السَّلامُ وبالتَّوراة، وقالُوا في مُوسى ومُحمَّدٍ عليهِما الصَّلاةُ والسَّلام: ساحِرانِ تظاهَرا. أو في الكتابين: سِحرانِ تظاهرا؛ وذلك حين بَعَثُوا الرّهطَ إلى رُؤَساءِ اليهودِ بالمدينةِ يسألونَهم عن مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فأخبَروهُم أنّه نعتُه وصِفَتُه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (أو أرادوا نوعانِ مِنَ السِّحْر)، قالَ صاحبُ ((التقريب)): يعنُونَ التوراةَ والقرآن.
قلتُ: يؤيِّدُ قوله تعالى: {قُلْ فَاتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِندِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا}.
قولُه: (بِمَ علّقْتَ {مِن قَبْلُ} في هذا التفسير؟ )، أيْ: في تفسيرِ الحَسَن؛ وهوَ قولُه: ((قدْ كانْ للعربِ أصلٌ في زَمَنِ موسى))، وكذا في الحاشية، وفيهِ تفصيل؛ وهوَ أنّ الضميرَ في {يَكْفُرُوا}: إما للكَفَرةِ في زَمَنِ موسى عليهِ السلامُ مِنْ بني إسرائيل؛ فيتعلّقُ {مِن قَبْلُ} بـ {يَكْفُرُوا} لا بـ {أُوتِيَ}؛ لأنّ موسى عليهِ السلامُ ما أُوتيَ الكتابَ مِنْ قَبْلِهِم، وإنما وَبّخَ الحاضِرِينَ في زَمَنِ مُحمدٍ صلواتُ الله عليهِ بهِ؛ لأنّهُمْ أبناءُ جِنسِهِم في العِناد. وإما لآباءِ الكَفَرةِ الحاضِرة. فالتوبيخُ نحوُ التوبيخِ في قولِه تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ العِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة: 51، 92].
ويجوزُ أنْ يُجعَلَ الضميرُ للكَفَرةِ الحاضِرة، ويُعلّقَ {مِن قَبْلُ} بـ {أُوتِيَ}، كما قال: ((ولي أنْ أُعلِّقَه بـ {أُوتِيَ} وفي كلامِهِ حذف؛ أي: ولي أنْ أُعلِّقَه بـ {أُوتِيَ} وأَجْعَلَ الضميرَ في {يَكْفُرُوا} للحاضرِينَ لا لآبائِهِم؛ فينقلبَ المعنى، إلى آخرِه. فعلى هذا: إذا قُرِئَ ((ساحران)) أو {سِحْرَانِ} وأُريدَ: ساحران؛ كانَ المرادُ محمدًا وموسى عليهما السلام، وإنْ أُريدَ نوعانِ مِنَ السِّحْر؛ فالمرادُ التوراةُ والقرآن.
قولُه: (فقالوا في موسى ومحمد: ساحِرانِ [تظاهرا]، أو في الكتابين: سِحْرانِ تظاهرا)،