القَرْنُ الذي أنت فيهم {اَلْعُمُرُ} أي: أمدُ انقطاعِ الوحيِ واندرستِ العُلوم، فوجَبَ إرسالُك إليهم، فأرسلناكَ وكسيناكَ العلمَ بقِصَصِ الأنبياءِ وقصّةِ موسى عليهمُ السَّلام، كأنّه قال: وما كُنتَ شاهدًا لمُوسى وما جرى عليه، ولكنّا أوحيناهُ إليك؛ فذكرَ سببَ الوحيِ الذي هو إطالةُ الفترة؛ ودلَّ به على المُسَبِّب على عادةِ الله عزَّ وجلَّ في اختصاراتِه؛ فإذن: هذا الاستدراكُ شبيهُ الاستدراكَيْنِ بعدَهُ {وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا} أي: مُقيمًا {فِي أَهْلِ مَدْيَنَ}؛ وهم شُعيبٌ والمُؤمنون به. {تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} تقرؤُها عليهم تعلُّمًا منهم، يريد: الآياتِ التي فيها قِصّةُ شعيبٍ وقومِه، ولكنّا أرسلناكَ وأخبرناكَ بها وعلمناكَها.
[{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} 46]
{إِذْ نَادَيْنَا} يُريدُ مناداةَ موسى عليه السَّلامُ ليلةَ المناجاةِ وتكليمَه، {وَلَكِن}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومِنَ المجاز: وطالَ عليهِ الطول؛ أي: طالَ عُمرُه.
الراغب: الأَمَدُ والأَبَدُ: متقاربان؛ لكنّ الأبدَ: عبارةٌ عنْ مُدّةِ الزمانِ الذي ليسَ لها حَدٌ محدودٌ ولا يتقيّد، ولايُقال: أَبَدَ كذا. والأَمَدُ: مُدّةٌ لها حدٌ مجهولٌ إذا أُطلِق، وقدْ تَنْحَصِرُ نحوُ أنْ يُقال: أَمَدَ كذا؛ كما يُقال: زَمانُ كذا. والفرقُ بيْنَ الزمانِ والأمد: أنّ الأمَدَ يُقالُ باعتبارِ الغاية، والزمانُ عامٌّ في المبدأِ والغاية. ولذلكَ قالَ بعضُهُم: الأَمدُ والمدى متقاربان.
قولُه: ({ثَاوِيًا} أي مقيمًا)، الراغب: الثّواء: الإقامةُ معَ الاستقرار، وقيل: مَنْ أُمُّ مَثْواك؟ كنايةٌ عمّنْ نَزَلَ بهِ ضيفًا، والثّوِيّة: مأوى الغَنَم.