وهم نقباؤُه الذين اختارَهم للميقات، حتّى من جهةِ المُشاهدةِ على ما جَرى من أمرِ مُوسى عليه السَّلامُ في ميقاتِه وكَتْبِه التَّوراةَ له في الألواح، وغيرِ ذلك.

[{وَلَكِنَّا أَنْشَانَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} 45]

فإن قلتَ: كيفَ يتَّصلُ قولُه: {وَلَكِنَّا أَنشَانَا قُرُونًا} بهذا الكلام؟ ومن أيِّ وجهٍ يكونُ استدراكًا له؟ قلتُ: اتِّصالُه به وكونُه استدراكًا له، من حيثُ أنّ معناه: ولكنّا أنشَانا بعدَ عهدِ الوحيِ إلى عهدِكَ قُرُونًا كثيرةً {فَتَطَاوَلَ} على آخِرِهم: وهو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (كيفَ يتصلُ قولُه: {وَلَكِنَّا أَنشَانَا قُرُونًا}؟ )، توجيهُ السؤال: أنّ وَضْعَ ((لكن)) على أنْ يكونَ ما بعدَها مخالفًا لما قبلَها نفيًا وإثباتًا؛ فكيفَ مَوْقِعُها هاهنا؟ وتلخيصُ الجوابِ أنْ ليسَ الاعتبارُ بصورةِ النفيِ والإثبات؛ وإنما المعتَبَرُ المعنى؛ فإنهُ تعالى لمّا نفي عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أوّلاً كونَهُ بجانبِ الغربيّ، وكونَهُ مشاهِدًا للوحيِ إلى موسى عليهِ السلامُ وقضاءِ الأمرِ لهُ مِنَ المُكالَمةِ وكِتْبةِ التوراةِ وغيرِهِما، والمرادُ نفيُ عِلمِهِ بذلك، أَثْبَتَ لهُ العلمَ ثانيًا بتلكَ القصةِ وبسائِر قِصَصِ الأنبياء؛ فكأنهُ قيل: ما كنتَ داريًا بذلكَ بطريقٍ مِنْ طُرُقِ العلم؛ لكنْ جعلناكَ داريًا بطريقِ الوحيِ بأنْ أرسلناكَ أحْوَجَ ما يكونُ الناسُ إلى إرسالِك؛ لفتورُ الوحي مُدّةً مُتطاوِلة. فَوَضَعَ قولَه: {أَنشَانَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} [القصص: 45] مَوْضِعَ ((أرسلناكَ وكَسَبْنا لكَ العِلم))؛ وضعًا للسّبَبِ مَوْضِعَ المُسَبّب؛ لأنّ إطالةَ فترةِ الوحي واندراسِ العلومِ سببٌ لإرسالِ الرُّسُلِ وكَسْبِهِمُ العلوم. ويدلُّ على هذا التأويلِ تصريحُ لفظِ {مُرْسِلِينَ} بعدَ حرفِ الاستدراكِ في قولِه: {وَمَا كُنتَ ثَوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}. وفي قصةِ موسى عليهِ السلامُ والطور: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِنْ رَّبِّكَ}؛ ومِنْ عَلله بقولِه: {لِتُذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَهُم مِن نَّذِيرٍ}، وإليهِ الإشارةُ بقولِه: ((فإذنْ هذا الاستدراكُ شيبهُ الاستدراكَيْن)).

قولُه: ({فَتَطَاوَلَ} على آخرِهم)، أي: تطاولَ العمرُ على آخرِهِم؛ بمعنى: طالَ أمدُ انقطاعِ الوحيِ على القرنِ الذي أنتَ فيهِم. وقالَ في ((الأساس)): تطاوَلَ علينا الليل: طال،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015