الخلفة من خلف، كالركبة من ركب: وهي الحالة التي يخلف عليها الليل والنهار كلّ واحد منهما الآخر. والمعنى: جعلهما ذوي خلفة، أي: ذوي عقبة، أي: يعقب هذا ذاك وذاك هذا. ويقال: الليل والنهار يختلفان، كما يقال: يعتقبان. ومنه قوله: (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [البقرة: 164]، ويقال: بفلان خلفة واختلاف، إذا اختلف كثيرا إلى متبرّزه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهي الحالة التي يخلف عليها الليل والنهار كل واحدٍ منهما الآخر)، يريد أن {خِلْفَةً} مفردٌ لفظاً، ومتعددٌ معنى. قال أبو البقاء: {خِلْفَةً}: مفعول ثانٍ أو حالٌ، وأفرد لأن المعنى: يخلف أحدهما الآخر، فلا يتحقق هذا إلا منهما.
قوله: (ذوي عقبةٍ)، روي بضم العين وكسرها. العقبة بالضم: النوبة. تقول: تمت عقبتك، ويقال: ما يفعل ذلك إلا عقبة القمر، إذا كان يفعله في كل شهرٍ مرة.
قوله: (يعقب هذا ذاك، وذاك هذا)، قال الزجاج: هذا قول أهل اللغة، وأنشدوا لزهير:
بها العين والآرام يمشين خلفةً ... وأطلاؤها ينهض من كل مجثم
وجاء في التفسير أيضاً: {خِلْفَةً}: مختلفان، قال الله تعالى: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [آل عمران: 190].
وروي محيي السنة، عن مجاهد: يعني: جعل كل واحدٍ منهما مخالفاً لصاحبه، فجعل هذا أبيض وهذا أسود.
وقلت: وفي كلام الزجاج إشعارٌ بأن قول مجاهدٍ على خلاف اللغة، ولهذا اعتذر له المصنف بقوله: "ويقال: الليل والنهار يختلفان، كما يقال: يعتقبان"، إلى آخره.