وإذا نصبت لم يكن له محل، وكان كلاماً مقرراً للأمر بالاستئذان في تلك الأحوال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وإذا نصبت- أي: "ثلاث عوراتٍ"- لم يكن له محل)، فإن قلت: ما هذا الاختصاص؟ لم لا يجوز أن يكون محل {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} نصباً على أن يكون وصفاً لـ "ثلاث عوراتٍ"، وهو بدلٌ من {ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} وأن يكون جملةً مؤكدةً إذا قدر: هن {ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ}، على الابتداء والخبر؟ قلت: لهذا السؤال تصدى صاحب "التقريب" للتقرير بأن قال: إن حكم رفع الحرج وراءها مقصودٌ في نفسه، فإذا وصف به "ثلاث عوراتٍ" نصباً، وهو بدلٌ من {ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} كان التقدير: ليستأذنكم في ثلاث عوراتٍ مخصوصةٍ بالاستئذان، ويدفعه وجوهٌ مستفادةٌ من علم المعاني، أحدها: اشتراط تقدم علم السامع بالوصف، وهو منتف، إذ لم يعلمه إلا من هذا. وثانيها: جعل الحكم المقصود وصفاً للظرف، فيصير غير مقصود. وثالثها: أن الأمر بالاستئذان في المرات الثلاث حاصلٌ وصفت بأن لا حرج وراءها أو لم توصف، فيضع الوصف. وأما إذا وصف المرفوع به فيزول الروافع، لأنه ابتداء تعليم، أي: هن ثلاث عوراتٍ مخصوصةٍ بالاستئذان، وصفةٌ للخبر لا للظرف، ولم يتقيد أمر الاستئذان به، فليتأمل فإنه دقيقٌ جليل. تم كلامه.

وقلت: الذي عندي- والله أعلم-: أن {ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ} إذا قرئ مرفوعاً كان خبر مبتدأٍ محذوفٍ، والجملة مقررةٌ لمعنى ما سبق فيصح جعل قوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} صفةً، لأن الجملة كما هي برمتها كلامٌ مقررٌ لمعنى ما سبق على طريقة الطرد والعكس لدلالة الكلام الأول على الأمر بالاستئذان في الأوقات المخصوصة بالمنطوق، ودلالة هذا الكلام عليه بالمفهوم، لأن رفع الجناح في غير هذه الأوقات يؤذن بثبوت الجناح في تلك الأوقات، وإليه الإشارة بقوله: "هن ثلاث عوراتٍ مخصوصةٍ بالاستئذان"، وإذا جعل "ثلاث عوراتٍ" وحده بدلاً من قوله: {ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} ظرفاً مثله مبيناً لما قصد فيه من المعنى، وهو إظهار كمال الكراهة في الدخول بغير الاستئذان، لأن لفظ {عَوْرَاتٍ} أدل في الكراهة من السابق، نحوه قال الشاعر:

أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهل مسلما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015