وأن يكون فيه ضمير الرسول، لتقدم ذكره في قوله: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، وأن يكون الأصل: لا يحسبنهم الذين كفروا معجزين، ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول، وكان الذي سوغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لما كانت لشيءٍ واحد، اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث، وعطف قوله: {وَمَاوَاهُمُ النَّارُ} على {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ}، كأنه قيل: الذين كفروا لا يفوتون الله، ومأواهم النار. والمراد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يطمعوا في مثل ذلك، فإن الله لا يعجزه أحدٌ، فيقهرهم في الدنيا بالاستئصال، ويخزيهم في الآخرة بعذاب النار. وينصر هذا التأويل قوله: "والمراد بهم المقسمون جهد أيمانهم"، وأما أن الوجه الأول أحسن من الثاني، وهم أن يكون فاعل "يحسبن" رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لتقدم ذكره في قوله: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، فلأنه على هذا لا يحسن ذلك الحسن، إذا قيل: التفاتٌ من خطابهم بقوله: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} إلى الغيبة في قوله: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} بمعنى: أن أولئك البعداء إنما يمتنعون عن الطاعة لما حسبوا أن لهم ناصراً ينصرهم ويمنعهم من عذابنا حين لم يطيعونا، وأما كونه أقوى منه، فإن نفي الحسبان وإثبات العجز لهم على سبيل الكناية، كما قال: "لا يحسبن الذين كفروا أحداً يعجز الله في الأرض حتى يطمعوا في مثل ذلك" أقوى من نفي الحسبان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإثبات العجز لهم تصريحاً.
وأما كونه أحسن من الثالث، فلأن نفي الحسبان وإثبات العجز لهم تصريحاً أحط من إثبات العجز لهم كنايةً. وأما كونه أقوى منه، فلأنه لا يحتاج حينئذٍ إلى حذف أحد المفعولين من باب حسبت، وإلى العذر بجوازه كما قال، لأنه ضعيف.
قوله: (وأن يكون الأصل: لا يحسبنهم الذين كفروا)، قال الزجاج: المعنى: لا يحسبن الذين كفروا إياهم معجزين، كما تقول: زيدٌ حسبته قائماً، تريد: حسب زيدٌ نفسه قائماً، وهذا في باب ظننت تطرح فيه النفس، يقال: ظننتني أفعل، ولا يقال: ظننت نفسي أفعل، ولا يجوز ضربتني، ليستغنى عنها بضربت بنفسي.
قوله: (وعطف قوله: {وَمَاوَاهُمُ النَّارُ} على {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}، والظاهر