وقرئ: (ليحكم) على البناء للمفعول. فإن قلت: إلام أسند (يحكم) ولابد له من فاعل؟ قلت: هو مسندٌ إلى مصدره، لأن معناه: ليفعل الحكم بينهم، ومثله: جمع بينهما، وألف بينهما. ومثله {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] فيمن قرأ {بَيْنَكُمْ} منصوباً، أي: وقع التقطع بينكم. وهذه القراءة مجاوبةٌ لقوله: {دُعُوُا}.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ} [مريم: 35]، أي: بمعنى: ما يصح وما ينبغي وما يستقيم، قال صاحب "المطلع": إنما صح واستقام أن يقول المؤمنون: سمعنا وأطعنا، ولهذا قال الفراء في معناه: إنما كان ينبغي أن يكون قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله أن يقولوا: سمعنا وأطعنا. والتحقيق في هذا التركيب ما ذكره صاحب "الانتصاف". قال: فائدة دخول "كان" المبالغة في نفي الفعل الداخل هو عليه بتعديد جهة نفيه عموماً باعتبار الكون وخصوصاً باعتبار خصوصية الفعل بعد ما كان، فهو نفيٌ مرتين.

وقال القاضي: من عادته تعالى إتباع ذكر المبطل ذكر المحق، والفصل لنفي ما أثبت فيهم عن غيرهم والتنبيه على ما ينبغي يبعد إنكاره لما لا ينبغي.

قوله: (وهذه القراءة مجاوبةٌ لقوله: {دُعُوُا}، يعني: أن المدعو إليه في الآية: الله تعالى ورسوله صلوات الله عليه، و {لِيَحْكُمَ} على القراءة المشهورة: مسندٌ إلى ضمير الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحده، فاحتيج- للتجاوب بين الكلامين- إلى أن يقال: إن ذكر الله تمهيدٌ، كقولك: أعجبني زيدٌ وكرمه.

وأما إذا قرئ: "ليحكم"، مجهولاً، وأسند إلى المصدر، يعم الحاكم فيقع التجاوب بينهما ولم يفتقر إلى ذلك التأويل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015