الأمر المستمر: قد مشى هذا الأمر، ويقال: فلانٌ لا يتمشى له أمر. ونحوه استعارة الشفة مكان الجحفلة، والمشفر مكان الشفة، ونحو ذلك، أو على طريق المشاكلة لذكر الزاحف مع الماشين.

[{لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} 46 - 47]

{وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} إشارة إلى القائلين: آمنا وأطعنا. أو إلى الفريق المتولي منهم، فمعناه على الأول: إعلامٌ من الله بأن جميعهم منتفٍ عنهم الإيمان، لا الفريق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من قبيل الاستعارة، حيث قال: "كما قالوا في الأمر المستمر، قد مشى هذا الأمر"، لكن قوله: "استعارة الشفة مكان الجحفلة"، ينبئ أنه ليس من قبيل الاستعارة، لأنه عند صاحب "المفتاح" مجازٌ مرسلٌ خالٍ عن الفائدة. قال: كما استعمل المرسن في أنف إنسان، وأنه موضوعٌ لمعنى الأنف مع قيد أن يكون مرسوناً، وإنما كان خالياً عن الفائدة، لأن المرسن والأنف كالمترادفين. والحق أن ما في الآية من المجاز المرسل لا الاستعارة.

قوله: (الجحفلة)، الجوهري: للحافر كالشفة للإنسان.

قوله: (فمعناه على الأول: إعلام)، إذا قدر {أُولَئِكَ} إشارةً إلى القائلين {آَمَنَّا} يكون {ثُمَّ} للتراخي في الرتبة، إيذاناً بارتفاع درجة كفر الفريق المتولي منهم، وانحطاط درجة أولئك، وعلى أن يكون إشارةً إلى الفريق المتولي منهم يكون {ثُمَّ} للاستبعاد، ويؤيده قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} أي: كيف يدخولن في زمرة المؤمنين الذين يقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يعرضون، ويتجاوزون عن الفريق المؤمنين، ويرغبون عن تلك المقالة؟ وهذا بعيدٌ عن العاقل المميز.

يؤيد هذا التأويل سؤال الإمام: فإن قيل: كيف حكي عن كلهم أنهم يقولون: آمنا، ثم حكي عن فريقٍ منهم التولي، وكيف يصح أن يقول في جميعهم: {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015