مختص بتلك الدابة، أو: خلقها من ماءٍ مخصوص، وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات من النطفة، فمنها هوام، ومنها بهائم، ومنها ناس، ونحوه قوله تعالى: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد: 4]. فإن قلت: فما باله معرفاً في قوله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30]؟ قلت: قصد ثم معنى آخر، وهو أن أجناس الحيوان كلها مخلوقةٌ من هذا الجنس الذي هو جنس الماء، وذلك أنه هو الأصل وإن تخللت بينه وبينها وسائط، قالوا: خلق الملائكة من ريحٍ خلقها من الماء، والجن من نارٍ خلقها منه، وآدم من ترابٍ خلقه منه. فإن قلت: لما جاءت الأجناس الثلاثة على هذا الترتيب؟ قلت: قدم ما هو أعرف في القدرة، وهو الماشي بغير آلة مشيٍ من أرجلٍ أو قوائم، ثم الماشي على رجلين، ثم الماشي على أربع. فإن قلت: لم سمي الزحف على البطن مشياً؟ قلت: على سبيل الاستعارة، كما قالوا في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النطفة بحسب اختلاف الدواب. وقال القاضي: هذا على تنزيل الغالب منزلة الكل، إذ من الحيوانات ما يتولد لا من نطفة.
قوله: (قصد ثمة معنًى آخر)، يعني: قصد هاهنا إلى معنى الإفراد شخصاً أو نوعاً كما سبق، فنكر الماء وقصد ثمة إلى معنى الجنس وأن حقيقة الماء مبدأ كل شيءٍ حي فعرفه، وأشار إلى صاحب "المفتاح" حيث قال: أي: وجعلنا مبدأ كل شيءٍ حي هذا الجنس الذي هو جنس الماء.
وقال صاحب "الانتصاف": وتحرير الفرق أن الأولى: بين أن القدرة خلقت من واحدٍ أشياء مختلفةً، والثانية: القصد فيها خلق الأشياء المتفقة من جنس الماء المختلف، فالأولى: إخراج مختلفٍ من متفق، والثانية: إخراج متفقٍ من مختلف.
قوله: (على سبيل الاستعارة)، أي: استعير للزحف على البطن المشي، جعله المصنف