رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسبيح من في السماوات ودعاءهم، وتسبيح الطير ودعاءه، وتنزيل المطر من جبال بردٍ في السماء، حتى قيل له: {أَلَمْ تَرَ}؟ قلت: علمه من جهة إخبار الله إياه بذلك على طريق الوحي. فإن قلت: ما الفرق بين {مَنْ} الأولى والثانية والثالثة في قوله: {مِنَ السَّمَاءِ}، {مِنْ جِبَالٍ}، {مِنْ بَرَدٍ}؟ قلت: الأولى لابتداء الغاية، والثانية للتبعيض، والثالثة للبيان. أو الأوليان للابتداء، والآخرة للتبعيض. ومعناه: أنه ينزل البرد من السماء من جبالٍ فيها، وعلى الأول مفعول {وَيُنَزِّلُ} {مِنْ جِبَالٍ}. فإن قلت: ما معنى {مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ}؟ قلت: فيه معنيان، أحدهما: أن يخلق الله في السماء جبال بردٍ كما خلق في الأرض جبال حجر. والثاني: أن يريد الكثرة بذكر الجبال، كما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من موجدٍ يوجده، وكونها واقعةً على صفاتٍ عجيبةٍ غريبة تدل على علم منشئها، وحكمة مفطرها، ولذلك قال: "لمن نظر وفكر وتبصر" على النشر.
قوله: (علمه من جهة إخبار الله تعالى ... على طريق الوحي)، قال صاحب "الفرائد": يمكن أن يقال: علمه بالمكاشفة، وبنور زائد على نور العقل، أو بإرادة الله تعالى إياه كما أرى إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 75].
قوله: (والثالثة للبيان)، قال القاضي: {مِنْ بَرَدٍ}: بيانٌ للجبال، والمفعول محذوفٌ، أي: ينزل مبتدئاً من السماء من جبالٍ فيها من برد.
قوله: (أن يريد الكثرة بذكر الجبال)، قال القاضي: أي: من قطعٍ عظام تشبه الجبال في عظمها، وقيل: المراد بالسماء المظلة، وفيها جبالٌ من بردٍ كما في الأرض جبالٌ من حجر، وليس في العقل قاطعٌ يمنعه.