فيها كتابه. وقرئ: (يسبح) على البناء للمفعول، ويسند إلى أحد الظروف الثلاثة، أعني: {لَهُ} {فِيهَا} {بِالْغُدُوِّ}.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من رفع البناء، قال القاضي: {وَيُذْكَرَ فِيهَا} عامٌ فيما يتضمن ذكره حتى المذاكرة في أفعاله، والمباحثة في أحكامه، و {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا}، أي: يصلون".

قوله: (وقرئ: "يسبح" على البناء للمفعول)، ابن عامرٍ وأبو بكر، والباقون: على البناء للفاعل.

قوله: (ويسند إلى أحد الظروف الثلاثة، أعني: {لَهُ} {فِيهَا} {بِالْغُدُوِّ}، فحينئذٍ يجيء الكلام فيما يتصل بالفعل جزءاً وما ينفصل عنه فضلةٌ، ويتفرغ عليه معنى الاهتمام فيما قدم وأخر ومعنى الإسناد المجازي، فالوجوه ثلاثةٌ، والاعتبارات تسعةٌ، أحدها: أن تجعل الباء في {بِالْغُدُوِّ} مزيدةً، ويسند الفعل إلى أوقات الغدو والآصال على الإسناد المجازي، لأن الله في الحقيقة هو المسبح، ولكن المسبحين لاهتمامهم بالتسبيح، وأن أوقاتهم مستغرقةٌ فيه، لا يفترون آناء الليل وأطراف النهار، كما قال: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ}، كأنها مسبحة. ويؤيده قوله: "على زيادة الباء، وتجعل الأوقات مسبحةً، والمراد ربها". ومنه قولك: زيدٌ نهاره صائم، وليله قائم، لكثرة صيامه بالنهار، وقيامه بالليل، فالتقديم إذن في الفضلات، لأن الأصل تقديم المسند إليها عليها، وتقديم المفعول فيه على المفعول له، لأن الغايات سابقةٌ في القصد، لاحقةٌ في الوجود، فقدم {لَهُ} لإرادة مزيد الاختصاص، كأنه قيل: يسبح أوقاته لأجله، وكرامةً لوجهه الكريم، لا لشيءٍ آخر.

ويفيد تقديم ظرف المكان على الزمان- على أن الفعل أشد اتصالاً بالزمان لكونه جزأه- شدة العناية بإيثار تلك الأمكنة التي رفعت لذكر الله تعالى وتسبيحه. فهذه اعتباراتٌ أربعةٌ: اعتبار الإسناد، وتقديم المفعول له على المفعول فيه، وعلى ما أقيم مقام الفاعل، وتقديم ظرف المكان على الزمان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015