ويجوز أن يراد: مع حفظها عن الإفضاء إلى ما لا يحل حفظها عن الإبداء. وعن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حفظ الفرج لئلا يشارك البهائم، ورفع اللوم عن لأمرٍ عارضي، وهو بقاء النسل، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5 - 6]، ولا كذلك النظر، فإن العيون خلقت للنظر وندبت إليه، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 185]، والمنع منه للضرورة، والوقوع في الفتنة، ولذلك نزلت آية الحجاب بعد الإباحة.
قوله: (ويجوز أن يراد: مع حفظها)، جوابٌ آخر عن السؤال، وفاعل "أن يراد" قوله: "حفظها على الإبداء" أي: يجوز أن يراد من الآية حفظ الفروج عن الإبداء، مع حفظها عن الإفضاء إلى الزنى، أي: كما يجب أن تحفظ الفروج عن الإفضاء إلى ما لا يحل، يجب أن تحفظ عن إبدائها للنظر إليها. كأنه قيل: قل للمؤمنين: يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم عن الإفضاء إلى ما لا يحل من الزنى، والإبداء إلى ما لا يحل من النظر إليها، وذلك من إيقاع الحفظ عليها مطلقًا، فدل على حفظها ما أمكن، والنظم يساعد هذا التأويل، لأن الكلام السابق حديثٌ في الاستئذان، وجل الغرض منه المحافظة على إبداء ما يفضي إلى ما لا يحل، وكذلك اللاحق، وهو قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} عطفٌ بالنهي عن إبداء مواقع الزين من الجسد على الأمر بإغضاء البصر تأكيدًا، ولما كان النهي عن إبداء الزين كنايةً عن إبداء مواقعها المفضي إلى ما لا يحل، كذلك كان النهي عن إبداء الفروج المؤدي إلى ما لا يحل كنايةً عن النهي عن الزنى. فإذًا النهي واردٌ على غض البصر عن الفروج لئلا يؤدي إلى ما لا يحل.
وهو موافق لما قال الإمام: الظاهر العموم، وفي سائر ما حرم من الزنى والمس والنظر، على أنه لو أريد حظر النظر لكان في مفهوم الخطاب ما يوجب حظر الزنى، كقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23].