لين مقادة وهم كذلك، حتى إذا عذبوا بنار جهنم فحينئذ يبلسون، كقوله (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ)] الروم: 12 [، (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ)] الزخرف: 75 [. والإبلاس: اليأس من كل خير. وقيل: السكوت مع التحير. فإن قلت: ما وزن استكان؟ قلت: استفعل من الكون، أى: انتقل من كون إلى كون، كما قيل: استحال، إذا انتقل من حال إلى حال. ويجوز أن يكون افتعل من السكون أشبعت فتحة عينه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هؤلاء القوم قد اعتادوا اللجاج، وليس هذا الجوع بأول عذاب، حتى إذا كشفناه عنهم تضرعوا استكانوا، ألا ترى كيف أخذناهم بالسيوف يوم بدر، أو محناهم بكل محنةٍ فما استكانوا؟ وإليه الإشارة بقوله: "واستشهد على ذلك بأنا أخذناهم".
قوله: (لين مقادةٍ)، مستعارٌ لسهولة تأتي الحق، من قولهم: هو يقود الخيل ويقتادها. الأساس: قاد الفرس بمقاودها، وهو حبلٌ يُشد في العنق للقياد. ومن المجاز: فلانٌ سلسُ القياد؛ يتابعك على هواك.
قوله: (ويجوز أن يكون افتعل من السكون)، الانتصاف: كونه استفعل من الكون أحسنُ من هذا، فإنه غير فصيح، و"بمُنتزاحِ" للضرورة. وأما تنظيره بقوله: "كما قيل: استحال: إذا انتقل" وهمٌ؛ فإن "استكان" عنده أحد أقسام استفعل الذي معناه التحول، كاستجمر استنوق، وأما "استحال" فثلاثيه من: حال يحول، أفاد معنى الحول من غير نقلٍ إلى استفعل، فاستفعل فيه بمعنى فعل. ومعنى الآية: فما انتقلوا من كون التحير إلى كون الخضوع؛ لدلالة المقام عليه. وكان جدي امتُحن ببغداد عند الناصر، فسُئل عنها فقال هو مشتقٌّ من قول العرب: كنتُ لك إذا خضعت، هي لغةٌ هذلية، وقد نقلها أبو عبيد في "الغريب"، وهو أحسنُ محاملِ الآية، ويكون استفعل بمعنى فعل مثل: قرّ