يزني ويسرق ويشرب الخمر وهو على ذلك يخاف الله؟ قال: "لا يا ابنة الصدّيق، ولكن هو الذي يصلى ويصوم ويتصدّق، وهو على ذلك يخاف الله أن لا يقبل منه" «1» (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) يحتمل معنيين، أحدهما: أن يراد يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها. والثاني: أنهم يتعجلون في الدنيا المنافع ووجوه الإكرام، كما قال (فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ)] آل عمران: 148 [، (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)] العنكبوت: 27 [لأنهم إذا سورع بها لهم، فقد سارعوا في نيلها وتعجلوها، وهذا الوجه أحسن طباقا للآية المتقدمة، لأن فيه إثبات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهذا الوجه أحسن طباقاً للآية المتقدمة)، وهي: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ) أي: ليس فيما أوتي الكافرون من أموال وبنين مُسارعةٌ في الخيرات، فإن ذلك استدراجٌ، بل ما أوتي المؤمنون هو مسارعةٌ في الخيرات، وهم المختصون بأن ينالوا الخيرات قبل الآخرة، حيث عجلت لهم في الدنيا. ولأن (أُوْلَئِكَ) يستدعي أن من قبله جديرٌ بما بعده، لاكتسابه تلك الفضائل، وهذا لا يستقيم إلا على هذا الوجه.
وأما قضية النظم - والله تعالى أعلم-: فإن هذه السورة قُطبُ معناها دائرٌ على وصف أمةِ الدعوة أجمع، السابقين منهم، والمقتصدين والظالمين لأنفسهم، ثم الغافلين من الكافرين المعاندين منهم. فهذه خمسة أصناف، فلما صدر السورة بالصنف الأول واستوفى مدحهم، وأراد أن يشرع في وصف سائرهم أتى بدليلي الأنفس والآفاق تنبيهاً وإيقاظاً للساهين، وبقصص الأنبياء السالفة والأمم الخالية تخويفاً واعتباراً للغافلين، ثم قال: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) إلى قوله: (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ)، ألا ترى كيف نعى عليهم غفلتهم بقوله تعالى: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ) وجعله تخلصاً إلى ذكر ما للمؤمنين أجمعين من السبق والمسارعة في الخيرات، فذكر فريقي المؤمنين: المقتصد منهم وهو قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) والظالم منهم، وهو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)، ويجوز الحمل على هذا؛ لأن الظالم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم هو: من لا يشرك بالله عز وجل، ويخافُ الرجوع، وهو مع ذلك يرتكب المناهي، ولأن الأصل أن تكون الخشية لقوم، والوجل لآخرين، ولأن التقسيم حاصلٌ كما سبق فلابد من اعتبار