ووعده ووعيده والإدارة بين ثوابه وعقابه على حسب أعمالهم، وغير ذلك مما يجرى عليه أمر ملكوته ولما ذكر القرآن وإنزاله قال على سبيل الاستطراد: وإذا لقنك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي هذا التقدير إيذانٌ في ترتب حكم الإنزال والتصريف في (أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ) على قوله: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) بالفاء، أمراً عظيماً وخطباً جليلاً، فدل وصفُ الباري بالملك على التصريف القوي في الملك والملكوت على مقتضى مشيئته بالأمر والنهي والوضع والرفع والثواب والعقاب، فكان مناسباً لقوله: (وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ)، ودل وصفه بالحق على البيان والظهور، وعلى الثبات في الصفات الكاملة، فكان مناسباً لقوله: (أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) أي: بينا بُرهانه ساطعاً نُوره لا يحوم الباطلُ حوله، فأعظم بمنزلٍ ومتصرفٍ منزله الحق ومتصرفه الملك، وفيه أيضاً معنى (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)، وقوله تعالى: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) [القيامة: 16 - 17]، يعني: لا تستعجل بالقرآن خوفاً من أن ينفلت منك؛ لأن المصرف قاهرٌ والمبين محق لابد من إمضاء ما أراده (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ) في صدرك لتحفظه، وإجرائه على لسانك لتدفع الباطل بالحق، وهذه السُّنةُ قائمةٌ في أمتك إلى يوم القيامة (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ)، فإن له تحت كل كلمة، بل كل حرفٍ من هذا الكتاب العزيز، أسراراً ورموزاً تتحير فيها الأوهامُ، زادنا الله اطلاعاً على أسرار تنزيله والتوفيق للعمل بما فيه بقدر الوُسع والطاقة. قال صاحب "المطلع": الذي بيده الثواب والعقاب فهو يملكهما، والحق الثابت: ذاته وصفاته الكاملة.
قوله: (ولما ذكر القرآن وإنزاله قال على سبيل الاستطراد)، قلتُ: قد سبق بأن قوله: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) كالرابطة بين الكلامين، وذلك أنه تعالى لما عظم شأنه في إنزال القرآن العربي وتصريف الوعيد فيه بأن أتى بصيغة العظمة والكبرياء في قوله: (أَنزَلْنَا)، (وَصَرَّفْنَا) امتناناً على حبيبه صلوات الله عليه، وبين أن القصد في الإنزال والتصريف: الترغيب والترهيب، وأراد أن يُرشده إلى حُسن تلقيه لهذا المنزل العظيم الشأن، وأن يترك من عادته من العجلة فيه، وشط بين الكلامين قوله: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ)، وعطف عليه (وَلا تَعْجَلْ) على تنزيل الإخباري منزلة الإنشائي؛ لأن فيه إنشاء التعجب معنى،