الحساب، صارت وجوههم عانية، أى ذليلة خاشعة، مثل وجوه العناة وهم الأسارى. ونحوه قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)] الملك: 27 [، (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ)] القيامة: 24 [. وقوله تعالى (وَقَدْ خابَ) وما بعده اعتراض، كقولك: خابوا وخسروا. وكلّ من ظلم فهو خائب خاسر.

(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) [طه: 112].

الظلم: أن يأخذ من صاحبه فوق حقه. والهضم: أن يكسر من حق أخيه فلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ظُلْماً)، وهو يحتمل الحال والاستئناف لبيان ما لأجله عنت وجوههم، وكذا عن أبي البقاء.

قوله: (وقوله: (وَقَدْ خَابَ) وما بعده: اعتراضٌ)، يعني: في هذا الكلام معنى التوكيد لما قبله، وكان من الظاهر: وذلت وجوه العصاة وقد خابوا وخسروا، فوضع موضعه ذلك، وفيه رائحةٌ من الاعتزال، والأولى أنه حالٌ من الوجوه ووضع موضع الراجع (مَنْ حَمَلَ ظُلْماً)، كما في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [الكهف: 30] أي: لا نُضيع أجرهم.

والمرادُ بالظلم: الشركُ، لقوله تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13]، وروى محيي السُّنة، عن ابن عباس: خسر من أشرك بالله، والظلم هو الشرك، ولأنه واقعٌ في مقابلة قوله: (وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، والمراد بالوجوه، الرؤساء والمتكبرون؛ لأن المقام مقام الهيبة ولصوق الذلة بوجوههم أولى: (وَقَدْ خَابَ): مقابلٌ لقوله: (فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً)، المعنى: فلا يخاف الخيبة وإليه الإشارة بقوله: فلا يخاف جزاء ظُلم ولا هضم؛ لأنه لم يظلم ولم يهضم، فلا يستقيم حينئذ أن يكون اعتراضاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015