في الأعيان، والأرض عين، فكيف صح فيها المكسور العين؟ قلت: اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة، ونفى الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون، وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسوّيتها وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء من الفلاحة، واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط، ثم استطلعت رأى المهندس فيها وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية، لعثر فيها على عوج في غير موضع، لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسي، فنفى الله عزّ وعلا ذلك العوج الذي دقّ ولطف عن الإدراك، اللهمّ إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني، فقيل فيه: عوج بالكسر. الأمت: النتوّ اليسير، يقال: مدّ حبله حتى ما فيه أمت.

(يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (108) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) [طه: 108 - 109].

أضاف اليوم إلى وقت نسف الجبال في قوله (يَوْمَئِذٍ) أى يوم إذ نسفت، ويجوز أن يكون بدلا بعد بدل من يوم القيامة. والمراد: الداعي إلى المحشر. قالوا: هو إسرافيل قائما على صخرة بيت المقدس يدعو الناس، فيقبلون من كل أوب إلى صوبه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (من الفلاحة)، الأساس: الفلاحةُ: الأكرةُ، جمع أكار؛ لأنهم يفلحون الأرض، أي: يشقونها.

قوله: (بدلاً بعد بدل)، يعني (يَوْمَئِذٍ) بدلٌ من (يَوْمَ يُنْفَخُ) وهو من قوله: (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) في قوله: (وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً)، والعامل ساء، فيكون قوله: (وَيَسْأَلُونَكَ) الآية، وحدها استطراداً، وعلى الأول العاملُ: (يُتْبِعُونَ) (وَيَسْأَلُونَكَ) إلى قصة أدم استطراداً، والأول أوجه لمجيء قوله: (يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ) فيكون بدلاً ثالثاً على الترقي.

قوله: (يدعو الناس فيقبلون من كل أوب)، قال محيي السنة: يقول: أيتها العظام البالية،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015