تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة، أى: غشيهم ما لا يعلم كنهه إلا الله. وقرئ: (فغشاهم من اليم ما غشاهم) والتغشية: التغطية. وفاعل غشاهم: إما الله سبحانه. أو ما غشاهم. أو فرعون، لأنه الذي ورّط جنوده وتسبب لهلاكهم. وقوله (وَما هَدى) تهكم به في قوله (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) [غافر: 29].

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) [طه: 80 - 81]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة)، الأساس: ومن المجاز: هو مستقلٌ بنفسه، إذا كان ضابطاً لأمره، وهو لا يستقل بهذا الأمر، أي: لا يُطيقه.

قوله: (ورط جنوده)، الأساس: وقع في ورطة لا يتخلص منها، في بلية، وأورطه شر مورطٍ.

قوله: ((وَمَا هَدَى) تهكم به)، قال في "الانتصاف": التهكم: أن يُؤتي بعبارة والمقصود عكس مقتضاها، كقوله: (إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) [هود: 87]، وأما (وَمَا هَدَى) فهو إخبارٌ عن عدم الهداية. قال في "الانتصاف": الأمرُ كذلك، لكن في العرف في قولك: ما هدى زيدٌ عمراً، إثبات كون زيد مهتدياً عالماً بطريق الهداية، وفرعونُ أضل الضالين، فكيف يُتوهمُ أن يهدي غيره، ولأن (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ) كافٍ في المقصود من عدم الهداية زائداً عليه الإضلال، فإن من لا يهدي قد يكون غير مُضلّ.

وقلتُ: وتوضيح معنى التهكم: أن قوله: (وَمَا هَدَى) من باب التلميح، وهو: أن يُشار في أثناء الكلام إلى قصةٍ أو حالٍ؛ فإن مجيء (وَمَا هَدَى) إشارةٌ إلى ادعاء اللعين الرشاد في قوله: (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ) [غافر: 29]، فهو كمن ادعى دعوى وبالغ فيها، فإذا حان وقتُها ولم يأتِ بها قيل له: ما أتيت بما ادعيت، تهكماً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015