أن فرائصه كانت ترعد خوفا مما جاء به موسى عليه السلام، لعلمه وإيقانه أنه على الحق، وأن المحق لو أراد قود الجبال لانقادت وأن مثله لا يخذل ولا يقل ناصره، وأنه غالبه على ملكه لا محالة. وقوله (بِسِحْرِكَ) تعلل وتحير وإلا فكيف يخفى عليه أن ساحرا لا يقدر أن يخرج ملكا مثله من أرضه ويغلبه على ملكه بالسحر.
(فَلَنَاتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (58) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) [طه: 58 - 60].
لا يخلو الموعد في قوله (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً) من أن يجعل زمانا أو مكانا أو مصدرا. فإن جعلته زمانا نظرا في أن قوله تعالى (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَة) ِ مطابق له، لزمك شيئان أن تجعل الزمان مخلفا، وأن يعضل عليك ناصب (مَكَاناَ): وإن جعلته مكانا لقوله تعالى (مَكاناً سُوىً) لزمك «1». أيضا أن توقع الإخلاف على المكان،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمقى والجهلة"؛ لأن هذا الكلام ما صدر عن اللعين إلا بعد ما أيقن وحقق أن ما جاء به ليس من قبيل الباطل الذي هو السحرُ، بل هو من الحق الساطع الغالب على كل باطلٍ ارتكبه، فإبرازه في معرض السحر استشعار للخوف، فشبه بالثوب الساتر على عيوب لابسه مع اطلاع ذي الدرية على عيبه من جيبه.
قوله: (فرائصه)، الجوهري: عن الأصمعي: الفريصةٌ: اللحمةُ بين الكتف والجنب التي لا تزال ترتعد من الدابة.
قوله: (أن تجعل الزمان مخلفاً)، قال ابن الحاجب في "الأمالي": الظاهر أن الموعد: الوعد، لأنه وصف بقوله: (لا نُخْلِفُهُ)، والإخلاف إنما يتعلق بالوعد، يقال: أخلف وعده لا بمكانه ولا بزمانه، ولو جُعل مكاناً وزماناً لوقع الإخلافُ على غير الوعد، وهو بعيدٌ.