كقوله تعالى: (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) [الضحى: 3]، أى: ما كان امتناع النزول إلا لامتناع الأمر به. وأما احتباس الوحى فلم يكن عن ترك الله لك وتوديعه إياك، ولكن لتوقفه على المصلحة. وقيل: هي حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة، أى: وما ننزل الجنة إلا بأن من الله علينا بثواب أعمالنا وأمرنا بدخولها، وهو المالك لرقاب الأمور كلها السالفة والمترقبة والحاضرة، اللاطف في أعمال الخير والموفق لها والمجازى عليها، ثم قال الله تعالى- تقريرا لقولهم-: وما كان ربك نسيا لأعمال العاملين غافلا عما يجب أن يثابوا به، وكيف يجوز النسيان والغفلة على ذى ملكوت السماء والأرض وما بينهما؟ ! ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم:

فحين عرفته على هذه الصفة، فأقبل على العمل واعبده: يثبك كما أثاب غيرك من المتقين. وقرأ الأعرج رضى الله عنه: (وما يتنزل)، بالياء على الحكاية عن جبريل عليه السلام والضمير للوحى. وعن ابن مسعود رضى الله عنه: (إلا بقول ربك).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (السالفة والمترقبة والحاضرة) قال أبو علي: هذه الآية تدل على أن الأزمنة ثلاثةٌ: مستقبلٌ، وهو قوله: (مَا بَيْنَ أَيْدِينَا)، وماضٍ وهو: (وَمَا خَلْفَنَا)، وحالٌ وهو قوله: (وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ).

قوله: (واعبدهُ يثبك كما أثاب غيرك من المتقين)، أشار إلى ارتباط الأمر بالعبادة بكلام أهل الجنة، وأما اتصاله بحديث نُزولِ جبريل عليه السلام فكأن جبريل عليه السلام يقول: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ)؛ لأنه الحكيم الذي يعرفُ المصالح كلها والمحيط بكل شيء علماً، ونحن لا نقدم على فعل إلا بأمره وإذنه؛ لأنه المالك المتصرف، وليس لنا إلا الطاعة والامتثال لأمره، فعليك أيضاً لزوم العبادة والصبر عليها، لا التصرف؛ لأنه لا ملجأ ولا مفزع إلا إليه، فهل تعلمُ له سمياً يُلجأُ إليه.

قوله: ((وَمَا نَتَنَزَّلُ) بالياء على الحكاية عن جبريل)، أي: يكونُ كلامُه ومقولُه وذلك بأن يقول: يا محمد، وما يتنزل الوحي إلا بأمر ربك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015