المأكول منها - وقيل: ما كانت إلا شق سمكة - وقياء الماء وانتصابه مثل الطاق ونفوذها في مثل السرب منه؟ ثم كيف استمرّ به النسيان حتى خلفا الموعد وسارا مسيرة ليلة إلى ظهر الغد، وحتى طلب موسى عليه السلام الحوت؟ قلت: قد شغله الشيطان بوساوسه فذهب بفكره كل مذهب، حتى اعتراه النسيان وانضم إلى ذلك أنه ضرى بمشاهدة أمثاله عند موسى عليه السلام من العجائب، واستأنسا بإخوانه فأعان الإلف على قلة الاهتمام أَرَأَيْتَ بمعنى أخبرني.
فإن قلت: ما وجه التئام هذا الكلام؟ فإن كل واحد من (أَرَأَيْتَ) و (إِذْ أَوَيْنا) و (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) لا متعلق له؟ قلت: لما طلب موسى عليه السلام الحوت، ذكر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورد في الحديث: أن موسى عليه السلام لم ينصب إلا منذُ جاوز الموضع الذي حده الله تعالى له.
قوله: (وقيام الماء)، هو عطفٌ على "حياة السمكة"، والجملة- وهي: "وقيل: ما كانت إلا شق سمكة"-معترضة للتأكيد والمبالغة، فإن حياة السمكة المملوحة عجيبة، وكونها نصب سمكة أعجب.
قوله: (قد شغله الشيطان بوساوسه)، قال القاضي: ولعله نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وانجذاب شراشره إلى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة، وإنما نسبه إلى الشيطان هضماً لنفسه.
قوله: (لا متعلق له)، يعني: ليس لـ (أَرَأَيْتَ) مفعول، ولـ (إِذْ أَوَيْنَا) مظروفٌ، ولـ (فَإِنِّي) سبب؟ وأجاب: أن المتعلق: ما دهاني، وهو مفعول (أَرَأَيْتَ)، و"دهاني": مظروفٌ، وهو سببٌ أيضاً، فحذف لدلالة مقام الحيرة عليه كما أشار إليه بقوله: "فحذف