فإن قلت: علام عطف قوله: (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا)؟ قلت: على قوله: (أَوَ لَمْ يَرَوْا) لأن المعنى: قد علموا بدليل العقل أنّ من قدر على خلق السموات والأرض فهو قادر على خلق أمثالهم من الإنس؛ لأنهم ليسوا بأشد خلقا منهن، كما قال: (ءأنتم أشد خلقا أم السماء) [النازعات: 27]. (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ): وهو الموت، أو القيامة، فأبوا مع وضوح الدليل إلا جحودا.
[(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاعله، أي: أصابته آفة، فهو مؤوفٌ، مثل معُوف.
قوله: (على قوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا))، أي: (وَجَعَلَ لَهُمْ) عطفٌ على (أَوَلَمْ يَرَوْا)، يعني: لا يجوز أن يُعطف على (خَلَقَ) ويدخل في حيز صلة الموصول للفصل بخبر (إنّ)، وهو (قَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ)، ولا (عَلَى أَنْ يَخْلُقَ) لفظاً ومعنى؛ لأنه لا يحسنُ إيقاعُ القدرة على الآجل، فينبغي أن يكون عطفاً على (أَوَلَمْ يَرَوْا).
وأما قوله: (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ) فليس تقديراً لتصحيح معنى العطف، إذ لا يلتئم أن يُقال: (أَوَلَمْ يَرَوْا) وجعل لهم أجلاً، بل هو ابتداء تفسير بشهادة قوله: "وهو الموت أو القيامة"، فإذا التقدير: قد علموا بدليل العقل أن من قدر على خلق السماوات والأرض فهو قادر على خلق أمثالهم، كقوله تعالى: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) [يس: 81] أي: في الصغر والقمأة، وأن من جعل لهم أجلاً لا ريب فيه، وهو يوم القيامة، لابد أن يأتي به، كقوله تعالى: (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا) [الحج: 7].
فظهر أن المراد بقوله: "عطفٌ على قوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا) " أنه عطفٌ على التقدير، وأن يُضمر في الكلام ما يتم به المعنى، ويؤيده قول الإمام: لما بين الله تعالى بالدليل المذكور أن البعث والقيامة أمرٌ ممكنُ الوجود في نفسه أردفه بأن لوقوعه ودخوله في الوجود وقتاً عند الله تعالى.