وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يمشون على وجوههم قال: «إن الذي أمشاهم على أقدامهم، قادر على أن يمشيهم على وجوههم» (عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) كما كانوا في الدنيا، لا يستبصرون ولا ينطقون بالحق، ويتصامّون عن استماعه، فهم في الآخرة كذلك: لا يبصرون ما يقرّ أعينهم، ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم. (ومن كان في هذه أعمى) فهو في الآخرة أعمى. ويجوز أن يحشروا مؤفى الحواس من الموقف إلى النار بعد الحساب، فقد أخبر عنهم في موضع آخر أنهم يقرؤن ويتكلمون (كُلَّما خَبَتْ) كلما أكلت جلودهم ولحومهم وأفنتها فسكن لهبها، بدلوا غيرها، فرجعت ملهبة مستعرة، كأنهم لما كذبوا بالإعادة بعد الإفناء جعل الله جزاءهم أن سلط النار على أجزائهم تأكلها وتفنيها ثم يعيدها، لا يزالون على الإفناء والإعادة، ليزيد ذلك في تحسرهم على تكذيبهم البعث، ولأنه أدخل في الانتقام من الجاحد، وقد دل على ذلك بقوله (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ) إلى قوله (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً).

[(أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً)].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (إن الذي أمشاهم على أقدامهم)، روينا عن الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف، صنفاً مشاة، وصنفاً ركباناً، وصنفاً على وجوههم"، قيل: يا رسول الله، كيف يمشون؟ " الحديث.

قوله: (ويجوز أن يُحشروا): عطفٌ من حيث المعنى على قوله: "كما كانوا في الدنيا"، وعلى "عُمياً وبكماً وصُماً" على المجاز، والحشر الثاني بمعنى: الجمع والسوق، كقوله تعالى: (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) [طه: 59]، والأول بمعنى: البعث وحشر الناس يوم القيامة.

قوله: (مؤوفي الحواس)، الجوهري: الآفة: العاهة، وقد أُيفَ الزرعُ، على ما لم يُسم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015