[(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ)].
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ) الذي خلقك وخلقهم، وهو (الْعَلِيمُ) بحالك وحالهم، فلا يخفى عليه ما يجرى بينكم، وهو يحكم بينكم. أو إن ربك هو الذي خلقكم وعلم ما هو الأصلح لكم، وقد علم أن الصفح اليوم أصلح. إلى أن يكون السيف أصلح. وفي مصحف أبىّ وعثمان: إن ربك هو الخالق وهو يصلح للقليل والكثير، والخلاق للكثير لا غير، كقولك: قطع الثياب، وقطع الثوب والثياب.
[(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو إن ربك هو الذي خلقكم وعلم ما هو الأصلح لكم): عطف على قوله: " (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ) الذي خلقك وخلقهم"، والوجهان مبنيان على تفسر (فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) لأنه كالتعليل له، فالوجه الأول مبني على أن الآية من باب المخالفة، وهي غير منسوخة. والثاني: على أنه من باب المداراة والاصطبار، هذا هو الظاهر؛ لأنه تعالى لما أتم الاقتصاص تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإرشاداً له إلى الاكتساء بلباس الصبر اقتفاء بهم، أتى بخاتمة جامعة للتسلي، وهي الانتقام في العاقبة من أعدائه، وإيصال الجزاء إليه لحسناته، وللأمر بالمداراة والصبر على المكابرة، وجعلها تخلصاً إلى مشرع آخر، وهو قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي) الآيات، وفيه حديث الإعراض عن زهرة الحياة الدنيا، وهو من أعظم أنواع الصبر.
قوله: (كقولك: قطع الثياب)، قيل: فيه نظر؛ لأن باب التفعيل لا يختص بهذا، وشاهده الصيغة الموضوعة، كالنساج والقطاع، لأجل الحرف، وجوابه: أنه قد علم أن باب التفعيل إذا كان مما نُقل من أصل إليه أفاد بحسب المقام: إما المبالغة وإما التكثير، كما سبق في قوله تعالى: (لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) [الأنفال: 51]، وإذا كان موضوعاً كذلك - نحو: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) - لم يُفد ذلك، و (الْخَلاَّقُ) من قبيل الأول.