فإن قلت: فما معنى قوله (لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ)؟ قلت الذي قال لهم الضعفاء كان توبيخاً لهم وعتابا على استتباعهم واستغوائهم. وقولهم (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا) من باب التبكيت، لأنهم قد علموا أنهم لا يقدرون على الإغناء عنهم، فأجابوهم معتذرين عما كان منهم إليهم: بأن الله لو هداهم إلى الإيمان لهدوهم ولم يضلوهم، إما موركين الذنب في ضلالهم وإضلالهم على الله، كما حكى الله عنهم وقالوا: (لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام: 148]، (لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) [النحل: 35] يقولون ذلك في الآخرة كما كانوا يقولونه في الدنيا. ويدل عليه قوله حكاية عن المنافقين (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) [المجادلة: 18]. وإما أن يكون المعنى: لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا واهتدينا لهديناكم إلى الإيمان. وقيل: معناه لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم، أى: لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على أن لا يكون المبدل مطرحاً، والبدل لما كان كالبيان للمبدل قال: "هو بعض عذاب الله" فيرجع حاصل المعنى إلى قوله: "مغنون عنا بعضَ بعضِ عذاب الله".

قوله: (الذي قال لهم الضعفاء كان توبيخاً لهم)، أي: قولهم: (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) توبيخ، لأنهم أخبروهم بما لم يخف عليهم، فأفاد الإخبار في ذلك المقام التقريع والتوبيخ، فهو من لازم فائدة الخبر على المجاز.

قوله: (إما موركين الذنب)، الجوهري: "وورك فلان ذنبه على غيره؛ أي: قرفه [به] "، ولفظة "إما" تستدعي قرينتها؛ لأنها تفصيلية، وقرينتها ما يدل عليه قوله: "ويجوز أن يكون المعنى"، فالتقدير: لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا واهتدينا لهديناكم، قالوه إما موركين الذنب، وإما معلقين فقدان هدايتهم على فقدان اللطف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015