(وَبَرَزُوا لِلَّهِ) ويبرزون يوم القيامة. وإنما جيء به بلفظ الماضي، لأنّ ما أخبر به عزّ وعلا لصدقه كأنه قد كان ووجد، ونحوه: (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) [الأعراف: 44]، (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ) [الأعراف: 50]، ونظائر له. ومعنى بروزهم لله- والله تعالى لا يتوارى عنه شيء حتى يبرز له-: أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش، ويظنون أن ذلك خاف على الله، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم وعلموا أنّ الله لا يخفى عليه خافية. أو خرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب الله وحكمه.

فإن قلت: لم كتب (الضعفؤا) بواو قبل الهمزة؟ قلت: كتب على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو. ونظيره (علمؤا بني إسرائيل) [الشعراء: 197].

و(الضعفؤا): الأتباع والعوام، و (للذين استكبروا): ساداتهم وكبراؤهم، الذين استتبعوهم واستغووهم وصدورهم عن الاستماع إلى الأنبياء وأتباعهم (تَبَعاً) تابعين: جمع تابع على تبع، كقولهم: خادم وخدم وغائب وغيب أو ذوي تبع. والتبع: الأتباع، يقال: تبعه تبعاً.

فإن قلت: أي: فرقٍ بين "من" في (مِنْ عَذابِ اللَّهِ) وبينه في (مِنْ شَيْءٍ)؟ قلت: الأولى للتبيين، والثانية للتبعيض، كأنه قيل: هل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب الله. ويجوز أن تكونا للتبعيض معاً، بمعنى: هل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله، أى: بعض بعض عذاب الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (بعض الشيء الذي هو عذاب الله)، فإن قلت: كيف طابق هذا التقدير قوله: "من: الأولى للتبيين، والثانية: للتبعيض"؟ قلت: من حيث إن (مِن شَيْءٍ) حينئذ مفعول (مُغْنُونَ)، والتنكير للتقليل، و (مِنْ عَذَابِ اللهِ) حال منه قدمت؛ لأن ذا الحال نكرة، والحال وصاحبها في الحقيقة صفة وموصوف.

قوله: (بعض شيء هو بعض عذاب الله)، فعلى هذا: (مِن شَيْءٍ) بدل (مِنْ عَذَابِ اللهِ)،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015